لا يختلف المجتمع المصري فى أفكاره تجاه النساء، عن بقية المجتمعات الشرقية، التى تنظر لها كإنسان درجة ثانية، لا يحق له مثلما يحق للإنسان الذكر، وذلك على مختلف المستويات، ما بين التعليم، والعمل، والاستقلالية فى الحياة.
مسألة “الاستقلال” عن الأسرة ماديًا ومعنويًا، ترتبط فقط بالرجل فى مجتمعاتنا البطرياركية، بينما تقضي العادات والتقاليد بأن تظل المرأة تابعًا للرجل، معتمدةً عليه فى كل شأن.
فى أعراف تلك المجتمعات، الطفلة لو لم تعتمد على أبويها، أصبحت “خارجة عن الاَدب”، وفى مراهقتها، إن لم تعد لأسرتها فى كل خطوة أضحت “منحلةً”، وفى شبابها، لو فكرت فى الانفصال عن أسرتها، باتت تستحق القتل فقد ارتكبت الجرم الأعظم.
لكن فى الأونة الأخيرة، صار مصطلح “المستقلات” يتردد مرارًا، وبدأ من يحملن اللقب يروجن للفكرة ويؤكدن حقهن فى الاستقلال عن أسرهن ماديًا ومعنويًا، لتحقيق النجاح فى حياتهن.
من هن؟
وتعرف “المستقلات” أنفسهن بأنهن “فتيات اخترن الاستقلال اجتماعيًا عن أسرهن، والانفصال عنهن وشق طريق الحياة وحدهن، يتحدين العقبات، التى يواجهنها كثيرًا بسبب الظروف، وأكثر بسبب نظرة المجتمع لهن.
وتعتبر الفتيات اللواتى اتخذن تلك الخطوة، أن الانفصال هو أساس الاعتماد على الذات والنجاح فى الحياة بعيدًا عن التسلط الذى تفرضه الأسر فى مجتمعاتنا.
من مغتربات إلى مستقلات
غالبية “المستقلات” فى مصر، يبدأ استقلالهن مع انتقالهن من مدن وقرى مصرية، إلى العاصمة، للدراسة الجامعية، حيث يعشن مغتربات، فى بيوت يستأجرنها بالتشارك مع أخريات أتين لنفس الظروف أو ظروف مقاربة، بمرور الوقت، يدركن، أن الحياة بعيدًا عن الأهل ليست صعبةً أو عيبًا.
وعادةً ما تبدأ الخلافات الأسرية، تدب بين الفتيات والأهل، بعد انقضاء الدراسة، وبدء عملية البحث عن عمل داخل القاهرة، عندها تجد الأسرة أنه لا شئ يدفع الفتاة للعيش مغتربةً، بعيدة عن أهلها من أجل العمل، معتبرين أن الدراسة كانت اضطرارًا بالنسبة لهم ولهن.
“المستقلات”، لا يبحثن عن الاستقلال بالعيش فى بيت اَخر غير بيت الأسرة فحسب، وإنما يعشن استقلالًا ماديًا تامًا، يعملن ويتقاضين أجورًا، ينظمن بها نفقاتهن فى ظل ارتفاع تكاليف الحياة فى العاصمة، مما يمنحهن صلابة وقدرة على تنظيم الحياة أكثر من الاعتماد ماديًا على انفاق أهلهن وتحديدًا الأب عليهن، هذا إلى جانب الاستقلال فى اتخاذ القرار وتحديد أولويات المستقبل واختيار المظهر الذي يروق لهن والعمل الذى يتطلعن إليه بعيدًا عن فروض العائلات.
“ساقطات يسهل استغلالهن”
حتى الاَن، مازالت قضية المستقلات، محلَ انتقاد من قبل قطاع واسع بالمجتمع، وهناك من يتعقبهن بالاتهام أنهن “ساقطات يمكن استغلالهن” وهو اتهام رسخه الإعلام، والدراما، طيلة عقود قُدِمت فيها الشخصية، التى تنفصل عن أهلها باعتبارها متغربة الفكر، تسعى إلى التحرر من كافة الضوابط التى يضعها المجتمع والدين.
فى المقابل، أضحى لهؤلاء الفتيات، صوت يدافع عن فكرته، ويتحدث عن معاناته من التبعية، المفروضة على بنات جنسهن ورغبتهن فى محاربة ذلك التسلط المفروض عليهن والتحرر من قيوده المكبلة لأحلامهن ومستقبلهن، وقد ظهر عدد منهن فى برامج تلفزيونية، ومنهن من تحدث الصحف والمواقع الإخبارية.

هذا التيار من الفتيات، اللواتى اخترن تحمل نظرة المجتمع العنصرية لهن، واختزالهن فى باحثات عن الخطأ والخطيئة، أكدن ويؤكدن قولًا وفعلًا أنهن يتحدين النمطية فى استيعاب دور المرأة، كتابع ليس أكثر، وكجسد بلا عقل.