الشيخ محمود عاشور: الشريعة ضد “استئصال الارحام ” للفتيات ذوات الإعاقة
استشارى نساء وتوليد: “التعقيم القسرى” لذوات الإعاقة جريمة ضد الانسانية ولابد من معاقبة من يرتكبها
رشا أرنست :ذوات الإعاقة الذهنية الأكثر عرضة للتحرش الجنسى والاغتصاب، ونظرة المجتمع السلبية تعتبر ذوات الاعاقة جنس ثالث لا يحب ولا يتزوج ولا ينجب.
أمل عطا :الأمهات ليس لديهن الوعي الكافي بخطورة مرحلة المراهقة لذوات الإعاقة. والاستغلال الجنسى لذوات الإعاقة لا يحدث من غرباء دائمًا، ولكن من داخل المنزل أيضًا.
أخصائي تدريب وتنمية مهارات: سن البلوغ من أصعب المراحل التي تمر على الفتيات من ذوات الإعاقة وخاصة الذهنية
القومى للطفولة والأمومة: لدينا رؤية واضحة لدمج ذوى الاعاقة فى الاستراتيجية الوطنية للطفولة (2015- 2030)
“قوة الفتاة المراهقة في رؤية لعام 2030”
هذا هو الشعار الذى رفعته الأمم المتحدة فى اليوم العالمي الرابع للطفلة فى 11 أكتوبر الماضي، وخرجت فيه بعدد من التوصيات، من أبرزها، تعزيز القوانين المعنية بالجندر والسياسات في كل المجالات خصوصًا تلك المتعلقة بالمراهقات من ذوات الإعاقة والمهمشات وضحايا الاتجار والاستغلال الجنسي.
فالمراهقات من ذوات الإعاقة، شريحة هامة وكبيرة لا نعرف عددهن بشكل دقيق فى ظل غياب المعلومات التى تقدم حصرًا دقيقًا لذوى الإعاقة فى مصر عمومًا والتى تتراوح بين 10 إلى 12 مليون شخصًا، وفى ضوء هذا الرقم الكبير، من المؤكد أن هناك قاعدة من الإناث المعاقات فى مجتمع شرقي كمصر يعانين انتهاكات وعذابات مريرة، لذا تفتح “ولها وجوه أخرى” هذه القضية من خلال هذا الملف المنقسم لحلقتين، فى محاولة منا للتعمق فى دراسة حال هذه الشريحة، والوقوف على أبرز صور المعاناة التى يعشنها.
ونبدأ فى حلقتنا الأولى من هذا الملف، باستطلاع اَراء العاملات والعاملين فى هذا المجال، والتعرف على واقع ذوات الإعاقة من خلال خبراتهم، فى محاولة لاستقصاء حقيقة العنف الذى يتعرضن له.
استئصال الأرحام
فى البداية، تواصلنا مع “رشا أرنست” الناشطة الحقوقية فى مجال “حقوق ذوي الإعاقة”، والتى أخبرتنا أن الفتيات المراهقات من ذوات الإعاقة يعشن في ظروف قاسية في ظل هذه المرحلة الحرجة والتي تكون أكثر سوءًا بالنسبة لذوات الإعاقة الذهنية، حيث يتعرضن للتحرش الجنسي والاغتصاب، والذين يقع على الأسرة جزءًا من المسؤولية فيه، حيث لا تراعى الأسر أن هؤلاء الفتيات لديهن إحساس غريزي وفطري كالجميع، ويتعاملون معهن وكأنهم فاقدات للإحساس، ودائمًا يستخدم التعبير القاسي “دول متخلفين، شعور جنسي ايه اللي هيحسوا به.”
وأضافت ” أرنست”، أنه نتيجة للضغوط التي تجد الأسرة نفسها محاطة بها خاصة حال اغتصاب الفتاة وحملها يندفعون لاستئصال الرحم وهو ما يعرف بالتعقيم القسري، ويتواجد في بعض المناطق النائية والريف وتجري هذه العمليات في أجواء سرية جدًا بعيدًا عن أي رقابة صحية و طبية، لافتة أنها تعتقد أن بعض الأطباء يوافقون على إجراء هذه العمليات على الرغم من أنها مجرمة من باب العطف على الأسرة والفتاة المريضة التي ليس لها أي ذنب في أن تصبح حاملًا جراء اغتصاب.
وأشارت “أرنست” إلى أن المراهقات من ذوات الإعاقة يتعرضن لكافة أشكال العنف الجسدي الذى تتعرض له الفتاة العادية ومنها “عمليات الختان” في انتهاك مضاعف لأجسادهن.
وطالبت “رشا أرنست”، بضرورة توفير الوعي الصحي والنفسي للأمهات حتى يتمكن من تطبيقه مع فتياتهن من ذوات الإعاقة، وأن يحدث ذلك من خلال وحدات الأسرة والصحة بالمستشفيات التي تعتبر معطلة وخارج نطاق الخدمة، ووحدات الاكتشاف المبكر التي تؤهل الأسرة لكيفية التعامل مع الطفل من ذوي الإعاقة منذ الولادة حتى النشأة ثم الكبر وخاصة مع الفتيات ومرورهن بمرحلة البلوغ والمراهقة، وكيفية التدخل المبكر معهن وتوعيتهن بأجسادهن وكيفية الحفاظ عليها والتعامل مع المتغيرات الجديدة التي يشعرن بها وأبرزها الدورة الشهرية.
وأردفت “أرنست” قائلة: المراهقات أو الفتيات عمومًا من ذوي الإعاقة الحركية يتعرضن لتحرش جنسي آثم ولكنه مغطى في إطار المساعدة والعطف، وهو ما يحدث مع الفتيات الكفيفات أثناء ذهابهن بمفردهن للمدرسة أو أي مكان، تكون المساعدة ظاهرًا ولكنه تحرش جنسي مبطنًا ،فهناك من يمسكها من “يدها ومن خصرها” ومن يستخدم يديه ليعبث بحركات سريعة على أجسادهن.
وفي نفس السياق نددت “أرنست” بالنظرة المجتمعية السلبية التي تعانيها الفتيات من ذوات الإعاقة ومنها الحركية، إعاقة “الصم والبكم” أو قصيرات القامة، فالفتيات يشعرن بمنتهي المهانة من نظرة الاَخرين له، تلك النظرة التي تعتبر الفتاة صاحبة الإعاقة فهي جنس ثالث لا تحب ولا تتزوج ولا تنجب، وكأنها بلا مشاعر أو إحساس، مطالبة بتغيير تلك النظرة الدونية القاصرة والعاجرة.
واقترحت، “أرنست، التركيز على الجانب الترفيهي للأطفال وخاصة في مرحلة المراهقة، مطالبة بأن تتبنى مراكز الشباب وقصور الثقافة أنشطةً تدمج ذوي الإعاقة الذهنية والحركية، وتكون متنفسًا لطاقاتهن السلبية، دون عزل لذوي الإعاقة، بل لابد من إدماجهم مع الأصحاء لتكون فرصة جيدة لتنمية مهارتهن وسلوكياتهن .
العنف الجنسي
من جانبه، يقول الدكتور “عمرو حسن” استشاري النساء والتوليد والعقم بجامعة القاهرة ومؤسس حملة أنتِ الأهم، أن الفتيات من ذوات الإعاقة يتعرضن لنفس أشكال العنف التي تتعرض لها الفتيات الأصحاء، فهن يتعرض للعنف الجنسي والانتهاك الجسدي الذي يبدأ بالختان مثل الأخريات تمامًا، مؤكدًا أن المراهقات من ذوات الإعاقة الذهنية يتعرضن لأسوأ أشكال الاستغلال الجنسي من التحرش الجنسي والاغتصاب، وهو ما يترتب عليه جريمة أكبر وهى عمليات التعقيم القسري التي تلجأ إليها الأسر لحماية فتياتهن من حمل غير مرغوب.
وأضاف “حسن”، أن عمليات التعقيم القسري والتي تمثل حالات فردية حتى الاَن، تمثل جريمة غير إنسانية في حق الفتيات المراهقات، ويجب معاقبة كل من يمارسها فى حق الفتيات سواء الأسرة أو الأطباء، والأصل أن المجتمع يحترم حقوق البنات كافة.
كما أكد “حسن” أن تلك الفئة من الفتيات هن شريحة منسية وخارج الخدمة، لا يوجد أي شكل من أشكال الاهتمام الحكومي والمؤسسي تجاههن، فهن يحتجن لتوعية صحية وانجابية داخل الوحدات الصحية وعيادات الشباب التابعة لوزارة الصحة ولكن هذا لا يحدث، وخاصة تقديم الخدمة بما يتلاءم مع كل شكل من أشكال إعاقة، فذوات الإعاقة من الصم والبكم يحتجن خدمة تقدم لهم عبر البرامج الطبية المذاعة على الفضائيات، ليتعرفن على المعلومات الطبية بلغة الاشارة لتوعيتهن بكافة مراحل المراهقة والبلوغ والحمل والولادة .
وأشار الدكتور “عمرو حسن”، إلى أن الأمهات تقع عليهن مسؤولية توعية الفتيات المراهقات من ذوات الاعاقة بكيفية حماية أجسادهن والحفاظ علي خصوصيتها، وهو ما يحتاج دعمًا وتأهيلًا للأمهات، خاصة أن بعضهن يعتبرن فتياتهن من ذوات الإعاقة “وصمة عار، مشددًا على وجوب أن تعلب مؤسسات المجتمع المدني والحكومة دورًا في إزاحة ذلك التهميش عن ذوات الإعاقة، لأن الحق في الصحة هو حق للجميع .
من ناحية أخرى، يحدثنا الدكتور “محمود عاشور” وكيل مشيخة الأزهر السابق عضو مجمع البحوث الاسلامية، عن عمليات التعقيم القسري للفتيات من ذوات الاعاقة من الناحية الدينية، ويقول” مجمع البحوث الإسلامية قرر بإجازة حالة واحدة يسمح فيها للمغتصبة بالإجهاض وهي إذا ثبتت حقيقة اغتصابها ويمكنها أن تقوم بالإجهاض قبل 4 شهور فقط من عمر الجنين”
وأضاف: “الأصل هو حماية الأسرة الفتاة ذات الإعاقة، وألا يتركونها بمفردها في مكان يمكن فيه استغلالها جنسيًا، وليس إجراء مثل هذه العملية غير الانسانية، مطالبًا المجتمع أن يتمتع بالأخلاق والقيم وأن يحنو على ذوات الاعاقة ويحافظ كل شخص عليهم مثل أخته، وابنته وأن يكون المجتمع مصدر حماية لهن وليس انتهاكًا لخصوصيتهن .
التأهيل النفسي
فى سياق متصل، تقول “منى عباس” أخصائي تدريب تنمية مهارات وتعديل سلوك لذوي الاعاقة، أن سن البلوغ من أصعب المراحل التي تمر على الفتيات ذوات الإعاقة وخاصة الذهنية، ففي هذه المرحلة يحدث لديهن تغير في الهرمونات ولكن نظرًا لعدم وعيهن بما يحدث يعبرن عن ذلك بطرق مختلفة ولا إرادية، منها أن يقمن “بتحسس أجسادهن وأجساد الاَخرين”، وهنا يأتي دور التأهيل سواء للفتيات او الأمهات.
ولفتت “عباس” إلى أنه يفضل أن تحضر الأمهات الفتيات إلى مركز التدريب منذ سن صغيرة في حدود الـ 8 سنوات، ليتم تأهيلهن عبر قصص مصورة أو أفلام كرتونية تعرفهن بأجسادهن وكيفية التعامل مع مرحلة البلوغ عند قدومها وتكون أول مظاهرها الدورة الشهرية لدى الفتاة المراهقة، حيث يتم تهيئتها نفسيًا لهذا الأمر خاصة أنهن يصبن بحالة فزع مع رؤية دماء على ملابسهن الداخلية .
وأشارت إلى أنه يتم تأهيل الفتيات من ذوات الاعاقة نفسيًا وسلوكيًا على حماية أنفسهن بأن لا يلمسهن غريب، ولا يقبلن قبلات من أحد، او يجلسن علي أرجل غرباء، ويتم ذلك بتمرينات حركية متكررة، مؤكده أن هذه التوعية لن تحقق نتائجها بمفردها، ولكن تحتاج لدعم الاسرة والأم تحديدًا في استكمال هذه الاحتياطات التي تحمي الفتيات.
الاستغلال الجنسي من الداخل
من جانبها حذرت “أمل عطا” المدير التنفيذي لجمعية بسمة أمل لرعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، من عدم وعي الأسرة والأم والتي يقع عليها مسؤولية كبيرة في حماية المراهقات من ذوات الإعاقة من الاستغلال الجنسي.
وأوضحت “عطا” أن الجمعية تعقد ورش تدريب للأمهات يحضرها أخصائي نفسي وسلوكي وتنمية مهارات، يدربن الأمهات على كيفية تعليم الفتيات الراعية الذاتية لهن، والتي تبدأ بالنظافة الشخصية والاستحمام وغسيل الأسنان وصولا لكيفية تعامل الفتاة المراهقة عند البلوغ مع الدورة الشهرية، من خلال سيكو دراما، عبر عرائس كنماذج تقوم بالمحاكاة والتمثيل.
وأضافت: “هناك كثير من الأمهات ليس لديهن الوعي الكافي، بل لا يشعرن بخطورة المسؤولية الواقعة عليهن، موضحةً أن هناك فتاة عمرها 12 سنة كانت تحضرها الأم إلى الجمعية، وبعد فترة لاحظنا أن الفتاة تصدر منها بعض السلوكيات الجنسية الشاذة، وبعد البحث والتقصي، أخبرتنا الأم أن سائق التاكسي يوصل الفتاة، ومن ثم علمنا مكمن الأزمة، وبالفعل نصحنا الأم بعدم ترك الفتاة لهذا السائق.
وأكدت “عطا” أن التحرش الجنسي والاستغلال الجنسي بصفة عامة لا يحدث لذوات الإعاقة من غرباء بالشارع ولكن يحدث داخل بعض المراكز التأهيلية ومراكز الرعاية لذوي الإعاقة، لذا على الأسر الراغبات في تأهيل فتياتهن وخاصة في مراحل المراهقة أن يتم التأهيل بواسطة أخصائيات نفسيات سيدات في أماكن معروفة وموثوق بها .
الاستغلال الإعلامى لضحايا العنف من ذوات الإعاقة
فيما يرى الدكتور “أحمد حنفي”منسق خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، أن الاستغلال الجنسي بالطفل المعاق عامة ليس ظاهرة ولكنها حالات فردية مرتبطة بالمناطق العشوائية التي يكثر فيها الأعمال الإجرامية وتناول المخدرات، وتشهد تلك المناطق اعتداءات جنسية للأطفال الأسوياء، ولكن يصبح الأمر أكثر خطورة للطفل المعاق لأنه فريسة سهلة للجاني لأنه يعلم جيدًا أن هذا الطفل لا يستطيع التعبير عن نفسه أو إبلاغ الاَخرين بما حدث له من انتهاك .
وأكد “حنفي” أن الأطفال من ذوي الإعاقة يعانون الكثير من التهميش واهدار الحقوق سواء على مستوي الرعاية الصحية أو التعليمية أو الترفيهية، وهناك عدم تدريب وتأهيل للأشخاص المنوط بهم تقديم الخدمة لذوي الإعاقة، فمثلًا حتى الاَن مصر لم تنجح فى دمج الأطفال من ذوي الإعاقة الذهنية مع الأطفال الأسوياء بالمدارس، لأنه حتى الاَن لا يوجد مدرسين مؤهلين للقيام بهذه المهمة التعليمية ، وعلى جانب اَخر الأطفال من ذوي الإعاقة يعانين من نقص في الخدمة الصحية المقدمة لهم فمثلًا الأدوية التي تخص أمراض مزمنة لديهم، ولجوء الأسر إلى الأدوية البديلة ذات التأثير المنخفض دوائيًا ومن ثم يحدث للأطفال اضطرابات صحية شديدة الخطورة .
وهاجم “حنفي” الاستغلال الإعلامي لبعض حالات الاستغلال الجنسي التي تتعرض لها الفتيات المراهقات من ذوات الاعاقة، وحرص الوسائل الإعلامية، على اظهار هؤلاء الفتيات دون أدنى مراعاة لميثاق الشرف الإعلامي والحفاظ على خصوصية الضحايا .
كما أكد مدير خط نجدة الطفل، أن المجلس القومي للطفولة والأمومة أن الاستراتيجية القومية للطفولة لعام 2015- 2030، التى يعدها المجلس حاليًا تضم الطفل ذوي الاعاقة باعتباره مكون اساسي للاستراتيجية، ويشمل ذلك دعم الفتاة المراهقة وتوفير التوعية الصحية والانجابية لها، وكيفية تفعيل القوانين والاتفاقيات الخاصة بذوي الاعاقة وتكوين قاعدة بيانات عن الأطفال ذوي الإعاقة لتقديم الخدمة لمستحقيها بشكل فعال .