ثورة البنات” لا تقبل بالتمييز على أساس اللون أو الجنس أو العرق أو الدين أو الميول الجنسية

مصر كانت عاملًا مؤثرًا فى ظهور حركة نسوية عالمية

متابعو “ثورة البنات” من الذكور لم تزد نسبتهم منذ انطلقنا عن 30 بالمئة

الاتهام بـــ”التغريب” سلاح الدولة والأفراد لمحاربة الحركة النسوية المستقلة

“ختان الإناث” بدأ ينحصر، والمنظمات النسائية تعاني تضييقًا بأيدي الأجهزة الأمنية

حتى بعد واقعة الإبتزاز .. سأظل أحارب العنف بغية الوصول إلى مجتمع لا تخاف فيه الفتيات من كونهن “إناث”

هى نموذج لكثيرين ممن غيرت ثورة يناير 2011 مسار حياتهم بشكل جذري، وممن تمخضت عن تلك الثورة الكبرى ثورة أخرى داخل نفوسهم، فثاروا على أوضاعهم التى أجبروا عليها بفرض أسلحة الواقع.

“غدير أحمد” إحدى الناشطات النسويات الشابات، التى عُرِفت من خلال مشروعها الإلكتروني “ثورة البنات”، وهو صفحة انطلقت على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قبل أربع سنوات، بهدف خلق مساحة للنقاش اليومي بشأن القضايا المجتمعية لكن من منظور نسوي.

فى غضون سنوات قليلة جذبت الصفحة أكثر من 140 ألف متابع، وأضحت “غدير” شخصيةً مثيرةً للجدل خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، يفرد لها مساحات عبر الصفحات الشخصية والعامة، وذلك لجرأة القضايا التى تطرحها عبر “ثورة البنات”.

وعلى الرغم من كل الجدل والجلبة المحيطين بها، لم يأبه أحد لدوافع “غدير” لكسر حاجز الصمت، وكتابة نهاية للرضوخ الذى كانت عليه مثل كثيرات من بنات جنسها.

“غدير” القادمة من مدينة المحلة الكبرى، اختارت الاستقلال عن أسرتها فى العاصمة، وبدأت مرحلةً جديدةً فى حياتها عنوانها الثورة على كل مكبل للمرأة مهما كانت وعورة الطريق الذى قررت السير فيه، ولم تكتف بنفسها وحسب بل قررت مساندة غيرها فى كسر القيد، عبر الفضاء الإلكتروني.

أربع سنوات مرت على انطلاق “ثورة البنات”، وهى فترة عنوانها الحرية بالنسبة لمؤسستها، “4 سنوات من العمل النسوي الحر، يمثلون مرحلة نضج لوعيي النسوي، وفترة لولاها ما استطعت أن أطور اهتمامى بالنسوية والنوع الاجتماعي.” بهذه الكلمات بدأت “غدير أحمد” حوارها لــ”ولها وجوه أخرى”.

ولمزيد من التأكيد على محورية هذه المرحلة فى حياتها، تابعت قائلة “اتخذت خلال الأربع سنوات قرارات عديدة مهمة،  على رأسها خلع الحجاب والاستقلال عن أسرتي، وأدركت خلال هذه الفترة أن الاحتكاك بقضايا النساء من أصعب الأمور في مصر.

وفى نفس الفترة الزمنية وعقب ثورة 25 يناير 2011، اكتشفت الناشطة النسوية الشابة “وجود تشابه كبير بين ما تعانيه النساء في مجالهن الخاص وما يعانينه في المجال العام، فهن مستهدفات بالعنف الجنسي والإجبار والتنميط.

كانت هذه إجابتها على سؤالنا بشأن ما دفعها للبحث عن التغيير عبر النسوية وليس عبر عالم السياسة كما فعل كثيرون من أبناء جيلها بعد الثورة، وفى الوقت ذاته لم تنف انخراطها فى السياسة مثل أى شابة حفزتها الثورة على دخول هذا المعترك.

DSCF4057

ومثلما كان اختيارها “التغيير فى المجتمع عبر النسوية” مثيرًا للتساؤل، كان اختيارها للفضاء الإلكتروني ساحة لتحقيق غايتها فى التثقيف والتغيير مدعاة للتساؤل، خاصة أن انطلاق “ثورة البنات” جاء فى وقت ذاع فيه إطلاق المبادرات المجتمعية، التى تعتمد بالدرجة الأولى على التحرك فى الشارع، فسألناها عن السبب فى ذلك؟

فقالت “هذا نظرًا لختلاف القضايا التي نناقشها، فنحن نهتم بشكل رئيس بقضايا الجسد وإدماج منظور النوع الاجتماعي في مناقشة قضايا النسوية، لذلك نحتاج إلى مساحة نقاش مفتوحة تسمح بعبور حواجز الزمان والمكان وتصل إلى الشابات أيًا كانت أماكنهن، وتساهم فى زيادة انخراطهن في المناقشة.

«البداية » فى أى شئ منسوب إلينا تكتسب أهمية خاصة، لذلك ربما نطيل استغراقنا فى التفكير بشأنها، حتى تخرج للنور معلنة عما سنسير عليه لاحقًا، وعن «البداية » سألناها، بقصد التعرف على أول ما عمدت إلى كتابته على الصفحة المُنشئَة فى 26 يناير 2012.

ذكرت باختصار واضح ومحدد “العنف في المجال الخاص لأنني مهتمة به أكثر من المجال العام.”

المتابع لـ “ثورة البنات”، سيستشعر استثنائيتها بين المبادرات المولودة فى نفس الفترة الزمنية، خاصة على مستوى القضايا المطروحة، ولعل أحد أهم الأسباب هو عدم اقتصارها على قضية التحرش الجنسي كما كان حال الأعم الأغلب بعد ثورة يناير.

لكن “غدير” ترى أن استثنائية “ثورة البنات” تعود بصفة رئيسة لعدد من المبادئ ميزتها فى توجهها، وهى كما حددتها  “تعد مساحة اَمنة للنساء، لا تقبل بالتمييز على أساس اللون أو الجنس أو العرق أو الانتماء السياسي أو العقيدة الدينية والميول الجنسية أيضًا.

كغيرها من المجموعات النسوية يلاحق “ثورة البنات” تهمة “التغريب” والرغبة فى استنساخ المجتمع الغربي وطمس الهوية والثقافة الشرقية، وعلى الرغم من كون ذلك سلاحًا قديمًا تُطعَن به الحركة النسائية طوال الوقت، إلا أن “غدير” تكشف أن مصر ودولًا عربيةً أخرى كانوا عاملًا مؤثرًا فى ظهور حركة نسوية عالمية لا تحتكر فيها المرأة البيضاء الحديث عن الأخريات، لافتةً إلى أن الحديث عن النسويات الغربيات –المستورد- على حد تعبيرها، يعود إلى محاولات الدولة تأميم الحركة النسوية فى مصر، ويستخدم الطرفان الأفراد والدولة، هذا النوع من الحديث بهدف محاربة الحركة النسوية المستقلة.

واستطردت قائلة “ثورة البنات لا تسلم من هذه الإتهامات المتعلقة بالتغريب ونشر الفجور بغية دحض استقلاليتها عن النسوية التابعة للدولة، وهذا أمر طبيعي، فالدولة المصرية –الأب الأكبر- يدافع عن مجتمع غير سوي، ليحكم سيطرته عليه ولذلك فعلينا مواجهة هذا الإتهام.

أما إتهامها هى شخصيًا بذلك، فردت عليه “لا أرى غضاضة في إتهامي بالتغريب ضمن حزمة من الاتهامات اليومية، فأنا أتبع ما أؤمن به، وسأدافع عن حقوق النساء ليس وإن تقاطعت مع نسويات الغرب فقط، بل وإن تقاطعت مع حقوق نساء المريخ.

خلال فعالية "هنركب عجل" - تنظيم "ثورة البنات"

خلال فعالية “هنركب عجل” – تنظيم “ثورة البنات”

“غدير” ليست وحدها من يدير “ثورة البنات”، يشترك معها عدد من الشابات، من محافظات مختلفة، وأعمار متباينة، وثقافات متنوعة، وهو ما يفرض سؤالًا بشأن توحيد الرؤى ووجهات النظر فى كل قضية تُطرَح على الصفحة، ولذلك سألناها “كيف تتمكن من تحقيق ذلك حتى لا يظهر أى انقسام أو تنافر بين العضوات؟”

فأفادتنا بأنهن يختلفن، ويتناقشن، ويتبادلن وجهات النظر، ولكن جميعهن يشترك في الإيمان بالأرضية المشتركة وهي «النسوية » وحقوق الإنسان، وأضافت : “نحن  نحترم خلفياتنا ومرجعياتنا المختلفة التي تثرينا بآفاق جديدة ورؤى مختلفة تجاه نفس الطرح، كما أن إيماننا بالتنوع وضرورة تمثيل وجهات نظر متعددة يجعل رؤيتنا متكاملة.

هناك أمران كان لابد أن نسأل مؤسسة “ثورة البنات” عنهما، خاصة وأنهما الأكثر إثارة للجدل، وأولهما القضايا التى تطرحها المجموعة عبر صفحتها، التى يراها البعض “تَرِفة”ولا تعني غالبية النساء المصريات، مثل المساءل المتعلقة بشعر جسد المرأة، وارتداء الفساتين وخلع الحجاب، وثانيهما، ما يروج عن استعدائهن للذكور.

وعن الأمر الأول، قالت “نتفهم جيدًا أن الجميع ليس على نفس الدرجة من الوعي النسوي، لذلك نحتفظ دائمًا بحقنا في أولوية المواضيع المطروحة للنقاش على أجندتنا الخاصة، كما ندعو بشكل دائم ومستمر إلى القراءة في مجال النسوية وقضايا النوع الاجتماعي بشكل أكثر نضجًا، سواء للمختلفين معنا أو المتفقين.

أما عن الأمر الثاني، فقد استفاضت أكثر فى إجابتها “نسبة متابعينا من الذكور لم تزد منذ انطلقنا عن 30 بالمئة، ربما لأن الاسم يوحي بأنها مساحة خاصة بالفتيات وحدهن، على الرغم من أن التوصيف والمعلومات تشرح السبب وراء اختياره، كما أننا لا نستخدم نبرة عدائية تجاه الذكور، نحن نرصد الانتهاك بحيادية، وبتركيز على تغليظ نبذ المعتدي، لأن هؤلاء الأشخاص بحاجة إلى ذلك، فلماذا دائمًا أغلب المعتدين من الذكور، عند الإجابة على هذا السؤال، سنخرج جميعًا من شرنقة نبذ الذكور.

وفى نفس النقطة، أردفت قائلة “أما الساعين من الذكور إلى زعامة في “ثورة البنات” فلن يجدوا لهم مكانًا، فنحن نعتمد على القيادة النسائية، ونضع في اعتبارنا النوع الاجتماعي كمجموعة نسوية تسعى إلى تمكين النساء.

منذ تأسست الصفحة وحتى اللحظة، تحولت “غدير” إلى شخصية عامة، وكل كلمة وأى موقف صار محسوبًا عليها، يؤيدها قطاع ويرفضها وينتقدها قطاع اَخر، بين التأييد والدعم من ناحية والاستهجان والاستهداف من ناحية أخرى، سألنا “غدير” عن تأثير الحالتين على شخصيتها على المستويين الخاص والعام، وكان ردها “على المستوى الشخصي زاد ارتباطي بأسرتي، وتضاعفت ثقتي بنفسي، أما على المستوى العام فأكره تسليط الأضواء والترصد الدائم لآرائي، وأحلم بيوم تقاعدي على الرغم من أن المشوار مازال طويلًا.

403707_367351993278134_591356203_n

معلوم للكافة، أن النسوة فى مصر، يتعرضن لصور عديدة من العنف لا لشئ سوى لأنهن إناث، وتعلق بذاكرة كل واحدة حادثة كان لها بالغ الأثر، أو مثلت نقطة تحول فى حياتها، وعندما سألنا “غدير” عن حادثة من ذلك النوع، تذكرت واقعة نشر فيديو خاص لها على الإنترنت بدافع الابتزاز والتشهير، لكنها فى الوقت ذاته أكدت أنها تعتبرها دافعًا قويًا للمضي قدمًا فى طريقها، تحارب العنف بغية الوصول إلى مجتمع لا تخاف فيه الفتيات من كونهن “إناث”.

انتقلنا بالحوار للحديث قليلًا عن المكان الذى نشأت فيه “غدير”، وهو مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، حيث ولدت وعاشت القسم الأكبر من عمرها.

شهدت هذه المحافظة قبل أكثر من سنتين، فاجعة مقتل الطفلة “سهير الباتع” إثر إخضاعها لعملية ختان، ولذلك طلبنا منها أن تحدثنا عن مدى انتشار تلك الممارسة، وطبيعة الأجواء المحيطة بتطبيقها.

فاستحضرت الصورة كما عرفتها” الختان تقليد مجتمعي يُشار إليه منذ نعومة أظفار الطفلة، دائمًا ما تسمع عن الحدث الجلل الذي سينقلها إلى عالم الكبيرات الناضجات، فتتأهب ذهنيًا له، فهو فعل مُستحسن من الجميع، والأقارب يشاركون أسرتها فرحة “طهارة” ابنتهم بالنقوط أو الاحتفال.

ولكنها أشارت إلى شعورها بانحصار الظاهرة مؤخرًا وقالت “هناك انحصار فى ممارسة الختان هناك بناءً على علاقتي بأسرتي، والدي ووالدتي، وقد امتنعت نساء العائلة أيضًا عن ختان بناتهن، وهذا ما فعلته أمي مع أختي الصغرى، وهذه الأخبار بالنسبة لى سارة.

وعن تقييمها لدور المؤسسات المعنية بقضايا النساء، فى كسر صمود هذه الممارسة فى مدن وقرى الأقاليم، قالت “الأزمة تكمن في مركزية المنظمات، فالقاهرة تفرض قضايا نسائها بقوة على الساحة النقاشية النسوية في مصر، ولا يُفتَح ملف التحرش الجنسي والعنف الجنسي في المجال العام ضد النساء إلا فى العاصمة، على الرغم من تكرار حوادثهما في الموالد الشعبية والأسواق والأماكن المزدحمة أو خافتة الإضاءة في الأقاليم.”

وأضافت “هى ليست المركزية فحسب، بل هذه المنظمات تتعرض لتضييق طوال الوقت بسبب نشاطها الحقوقي النسوي من قبل الدولة وأجهزتها الأمنية. فللدولة اليد الكبرى في السكوت عن انتهاك النساء في الأقاليم كما المدن الكبرى، ولكن يبقى لها باع أكبر من غيرها، إما بالإهمال أو بتشتيت انتباه العاملات والعاملين على قضايا النساء وملاحقتهم أمنيًا.

خلال مقابلة تلفزيونية

خلال مقابلة تلفزيونية

لم تخفِ “غدير”، تفكيرها أحيانًا فى الانفصال عن “ثورة البنات”، إيمانًا منها بأن تلك التجربة النسوية لا يجب أن تتوقف على شخصها كمؤسسة المجموعة، ولكنها فى الوقت ذاته أعربت عن شعور عميق بالارتباط بهذا المشروع يدفعها دائمًا للتمسك بها وقالت عن هذا الشعور” إنها حالة شبيهة بتلك التي تنتاب أسرتنا قبل استقلالنا اجتماعيًا، حالة من الحنين والرغبة في البقاء على ما نحن عليه، مصحوبة بتطلع للاحتكاك بالحياة بمفردنا دون وجود داعم أساسي، ورغبة في الحفاظ على الشعرة الرفيعة بين القلق الطبيعي على الفتيات وبين الهيمنة عليهن.

عندها سألناها، عما إذا كان هذا الشعور يفصح عن نية قريبة لترك المجموعة وتدشين تجربة جديدة؟

فأجابت بوضوح “لا أعتقد أنني سأقوم بمبادرات أخرى في الوقت الحالي، مازلت أرى أن هناك ما سيضيف لي وأضيفه في ثورة البنات، أؤمن بأن تجربتنا سويًا لم تنته بعد، ولذلك أرى أن مشوار تقاعدي صعب، ومازال الطريق قبله طويلًا، وأتمنى أن أمضي فيه بسلام، اَملةً فيما بعد ذلك أن أبدأ مشروعًا نسويًا يخص “غدير” بالتعاون مع ثورة البنات وغيرها من المجموعات النسوية.”