على الرغم من أن الفيلم لا يتجاوز الــ16 دقيقة، إلا أنه يحمل من المعاني والدلالات ما يمكن أن يشمله أفلام طويلة، وقد لا تجيد تقديمها بهذه السلاسة والواقعية والدفئ.

“ربيع شتوي” فيلم مصري طاف أكثر من 80 مهرجانًا دوليًا، وفاز بعدد من الجوائز خلال رحلته تلك، وقد عرض بالقاهرة في مهرجان زاوية للأفلام القصيرة في فبراير الماضي، وأخيرًا استقبله مركز الإبداع الفني بدار الأوبرا، ليكون عرضه الجماهيري الأول.

الفيلم يدور حول “نور” الفتاة المراهقة (الممثلة إيمان مصطفى) التي تدرس في الصف الثالث الإعدادي وعلاقتها بوالدها (الممثل أحمد كمال)، بعد أن توفيت أمها قبل نحو 5 سنوات.

10417770_794163700656027_82902219715102234_n

يرصد الفيلم التغيرات التي تصاحب هذه المرحلة الانتقالية، والعبور من الطفولة إلى الأنوثة، وكيف تعاني الفتاة من حواجز نفسية تمنعها من الإفصاح عن ما يطرأ عليها من تحولات خاصة الفسيولوجية.

تظهر الدورة الشهرية باعتبارها التغير الأبرز في هذه السن بين الفتيات، وكيف تعمد “نور” إلى إخفاء الأمر عن والدها، خجلًا من الخوض معه في هذه التفاصيل.

البروج المشيدة بينها وبين والدها، هي ذاتها القائمة بين جيلين، أحدهما يشب ويزهر في ربيع العمر وجيل تشبع بصلابة وجفاء الشتاء حيث تتجمد الأفكار ويتصلب العقل فلا يدرك أن فصولًا أخرى غير الشتاء تتعاقب.

14117850_1057026491019676_3032946020574358337_nففي وقت يتابع فيه الأب نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في ربيع 2012، تنتظر “نور” سطوع شمسها مثلما ترتقب أن تتحول اليرقة التي تخفيها في صندوقها إلى فراشة تجذب الأنظار بجمالها الاَخاذ، فهي لحظات تحول في حياة الأسرة الصغيرة وفي مسار المجتمع بالتوازي.

قدم المخرج “محمد كمال” وهو أيضًا مؤلف العمل بالاشتراك مع الكاتب “تامر عبد الحميد”، حالة التضارب والإضطراب المسيطرين على العلاقة بدون مبالغة أو إفراط في الكلام، وكما نقل الفيلم مشاعر نسائية خالصة بحرفية شديدة، تستشعرها من نظرات “نور” إلى ملابسها الداخلية بعد أن أغرقتها الدماء، وتجنبها النظر في عيني والدها خوفًا من انكشاف سرها.

“نور” بدت مصرة على أن تتعايش مع هذا التغير دون أن تفصح عنه، حتى إن اضطرت إلى سرقة المال من محفظة والدها حتى تشتري حفاظات.

إصرار “نور” على تجاوز أزمة المرحلة الانتقالية في صمت، محملةً بمخاوف زرعتها داخلها ثقافة ذكورية متجذرة تشيع في عقول الإناث منذ الصغر أن تغيرات المراهقة مشينة ومخجلة، يقابله تعامل مرتبك للأب تتحكم فيه الشكوك، والتوقعات السلبية هي ما يقود تفكيره، والإنفعال دون مساحة للنقاش هو أسهل الحلول وأقربها إليه.

في المخيلة، تظهر الأم مصدر حنان وتفاهم، في إشارة إلى مقدرة أنثوية على استيعاب التغير وعبور الإضطرابات بهدوء دون انفعال وصلابة فكر طالما ارتبطتا بالذكورية.

تباعًا يكتشف الأب أنه المخطئ، وأن شكوكه مجرد أوهام، عندها يتأكد أن العمر ليس فصلًا واحدًا، وبلوغ الشتاء يسبقه فصولًا أخرى.