خيبة أمل تشهدها الأوساط النسائية بشكل مضاعف ومتوالي عقب حركة المحافظين الأخيرة، وجاءت الصدمة الأولى، فى خلو مقاعد المحافظين من أي عنصر نسائي واقتصار منصب المحافظ علي “الرجال فقط”، والصدمة الثانية تأتى عقب تصريحات محافظ الشرقية الجديد رضا عبد السلام والتى أعلن فيها أنه ألغى انتداب 4 سكرتيرات من مكتبه الخاص لكونه شاباً صغيراً !!

وجاءت الصدمة بعد أن سادت حالة من التفاؤل لفترة وجيزة من النزول بأعمار المحافظين الجدد إلى سن الشباب، ولكن تبقى علامات الاستفهام قائمة إزاء تصريحات محافظ الشرقية ونظرته للمرأة .

وتعقيباً على تلك التصريحات أعرب “فتحي فريد” – مؤسس مبادرة “شفت تحرش”- عن تحفظاته على الاَلية التي تدار بها عملية اختيار المحافظين والتي كان من المفترض أن تبنى علي أسس من الحوكمة الرشيدة، ولكن على العكس بدى تغيير المحافظين الأخير وتصريحات المسؤولين الأولى تظهر وكأن العملية السياسية تدار من على مصطبة وليس وفقًا لرؤية إدارية وحكومية واضحة.

وأوضح “فريد” أنه بدءاً من تصريحات محافظ الاسكندرية، والتى تحدث فيها عن غضب زوجته وغيرتها من رسائل الإعجاب التى انهالت عليها من فتيات مصر، وصولاً لإلغاء محافظ الشرقية لأربع سكرتيرات بمكتبه، فالنتيجة الواضحة سلبية، مؤكداً أنه لايمكن تفهم تصريحات محافظ الاسكندرية؟! و عن محافظ الشرقية رضا عبد السلام الذي يخشي علي نفسه من الفتنة لأنه شاب صغير وقرر علي الفور إلغاء انتداب أربعة سكرتيرات لديه، فقال “فتحى فريد”: “عليه أن يرتدي “اليشمك” أو “برقع الحياء”، أثناء نزوله مكتبه أو أثناء تعامله مع الجماهير والموظفات بالمحافظة .

وأردف “فريد”: “فكر محافظ الشرقية وتوجهه ونظرته الدونية للنساء واعتباره لهن أنهن مصدر فتنة للرجال، لاينفصل عن نظرة الحكومة وتوجه الدولة عامة ورئيس الوزراء المهندس ابراهيم محلب الذى شهدت وزارته تقليصاً حاداً لأعداد النساء اللواتى تولين حقائب وزارية بدرجة تفوقت على عهد الإخوان، فضلاً عن اصرار حكومته على عدم تعيين نساء في منصب المحافظ، واختيار ثلاث نساء فقط في منصب نائب المحافظ، ومحاولة تلوين المنصب ببروباجندا دعائية من خلال استحداث قيام نائب المحافظ بالقاء القسم أمام رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في سابقة هى الأولي من نوعها”.

أخيراً أشار المنسق العام لمبادرة” شفت تحرش” إلى أنه توجد فجوة مستمرة بين ما يعلن عنه من التخطيط لاستراتجية وطنية شاملة لمواجهة كافة اشكال العنف والتمييز ضد المرأة وبين ما يمارس ضد المرأة على أرض الواقع، في الوقت الذي تسعي دولة محتلة تعرف بالكيان الصهيوني لتمكين 50% من النساء عام 2020 في المجال التكنولوجي؟!

من جانبه، يري “عمر أحمد” – المنسق العام للاتحاد النسائي المصري – أن حركة تغيير المحافظين الجديدة شهدت تغيراً إيجابيًا لحد ما في خفض أعمار المحافظين، وخطوة على الطريق نحو تمكين الشباب في المناصب القيادية العليا، ولكن غياب اختيار أى سيدة بين ال17 محافظاً الجدد يمثل إساءةً كبيرة ومخالفة صريحة للدستور المصري الجديد 2014 ومادته رقم 11 والتي تنص فى جزء منها على”تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسبا فى المجالس النيابية، على النحو الذى يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها”

كما أضاف “أحمد” أن تصريحات محافظ الشرقية وإلغائه لانتداب أربعة سكرتيرات من مكتبه لأنه شاب صغير تعكس نفس العقلية الذكورية التي ترى النساء هن مصدر الفتنة والخطيئة وأن المرأة هي السبب وراء خروج اَدم من الجنة، لذا قرر بمنتهي البساطة حماية نفسه وإلغاء عملهن.

وطالب المنسق العام للاتحاد النسائي المصري بسرعة فتح تحقيق مع محافظ الشرقية ومحاسبته، لأن قراره بإلغاء انتداب السكرتيرات يمثل تمييزاً سلبياً على أساس النوع، وضد كل الاتفاقيات والأعراف الدولية التي وقعت عليها مصر لمكافحة اشكال التمييز ضد النساء.

وتساءل “لماذا لم يهتم محافظ الشرقية بتطبيق التعليمات الجديدة بخصوص عمل المحافظين من الاهتمام بالشارع والرجل البسيط ومحاربة الفقر والبطالة، وكرث كل اهتمامه في بداية عمله لإلغاء انتداب 4 سكرتيرات خوفا من الفتنة؟!”.

وعلى صعيد متصل أكد “عمر” أنه يرفض التبريرات والحجج الخاصة بعدم وجود كفاءات لتولي النساء منصب المحافظ ومن ثم تم إختيارها لمنصب نائب المحافظ فقط، مشدداً على أن مصر تزخر بقامات وخبرات نسائية في كافة المجالات، وقد توصلت الحركات والمنظمات النسوية لقائمة بأكثر من 100 سيدة أثناء الإعداد للجنة الدستور، وهؤلاء النساء قادرات على تولي المناصب القيادية والتنفيذية بالدولة عن جدارة، فأكبر الشركات العالمية المصرية تديرها نساء ويكن مسؤولات عن مليارات الجنيهات تحت اداراتهن .

بينما عبرت الدكتورة “هدى بدران” – رئيس الاتحاد النوعي لنساء مصر- عن رفضها لهذه التصريحات التي نُسِبَت إلى محافظ الشرقية إذ أنها تعبر عن تقليل من شأن المرأة ومكانتها ودورها في المجتمع، معربةً عن استيائها أن يصدر هذا الكلام عن مسؤول مهم مثله في الدولة.
وأشارت “بدران” إلى أن هذا التصرف هو انتهاك للحقوق التي أقرها دستور 2014 والتي اعتمدها الشعب ، والتي نُص فيها علي حق المساواة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات المختلفة ،و التي يأتي من بينها الحق المرأة في تولي الوظائف الحكومية والمناصب القيادية بالدولة، مشيرة إلى أن المرأة لن تقبل أن تتنازل عن هذه الحقوق التي ضحت بالكثير من أجل الحصول عليها، ولن تقبل بأي حال من الأحوال أن يتم العودة بها مرة أخرى قروناً إلى الوراء.
أما “لمياء لطفي” – منسقة الحملة العربية للمساواة دون تحفظ، والناشطة الحقوقية بمؤسسة “المرأة الجديدة”، فتقول” لا يمكن تحليل تصريحات محافظ الشرقية بمعزل عن الرؤية السياسية العامة للدولة تجاه النساء اللواتى يعانين من إشكالية حقيقية، فمنذ إقرار دستور 2014 الذي ينص ويلزم الدولة علي المساواة بين الرجال والنساء في تولي المناصب القيادية يفشل في الاختبار الثاني علي التوالي، إذ تعجز الحكومة عن تعيين نساء في منصب المحافظ، مثلما عجزت في تمكين أوائل كلية الحقوق من الفتيات من التعيين بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة”.

وأكدت”لطفي” أن الدستور الجديد يحتاج إلى حزمة تشريعات لتطبيقه على أرض الواقع، وهذا لن يحدث في ظل وضع سياسي وتشريعي ملتبس تعاني منه الدولة المصرية بالفترة الاخيرة، والذي سوف يصاحبه غياب لأى تمكين نسائي حقيقي في المجال العام، ولن يسفر البرلمان المقبل عن أي تشريعات منصفة للمرأة.