أحد المسلسلات التي تصدرت قائمة الأعلى مشاهدة خلال رمضان 2017، ويحل بين ثلاثة حصدت التفاعل الأكبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد كفر دلهاب وكلبش، وذلك على الرغم من أن قصته تكررت كثيرًا سواء في أفلام سينمائية أو مسلسلات تلفزيونية، لكن مسألة “الخيانة والخذلان” التي طرحها مهما تكررت تظل جاذبةً للجمهور.

الشخصية الرئيسة هي “جميلة” التي تجسد دورها “نيللي كريم”، وهي راقصة باليه محترفة، تقرر التخلي عن حياتها المهنية واعتزال رقص الباليه نهائيًا، حتى تتزوج الدكتور “هشام” طبيب التجميل الذي أحبته، ثم تتوالى تضحياتها من أجله، حتى يصبح طبيبًا ناجحًا ذا سمعة وصيت واسع، يمتلك واحدةً من أشهر مستشفيات التجميل في مصر.

تنعزل “جميلة” وترتدي النقاب وتكرس حياتها لزوجها وابنتها، حتى تفاجأ بخيانته لها مع صديقتها المقربة “ليلى” وزواجهما، ثم تتصاعد الأحداث وتتمحور حول الصراع بين الصديقتين بسبب الرجل.

الحضور النسائي خلف الكاميرا محدود جدًا

خلال السنوات الأربع الماضية، ارتبط اسم “نيللي كريم” بالسناريست “مريم نعوم”، منهما سنتين مع المخرجة “كاملة أبو ذكري”، وعرفت المسلسلات التي تصدرت بطولتها خلال هذه السنوات حضورًا نسائيًا لافتًا، والعكس تمامًا هو ما حدث هذا الموسم، فالحضور الذكوري هو الطاغي خاصة على الأدوار الرئيسة خلف الكاميرا، في ظل سيطرة اَل العدل، فالتـأليف لـ”مدحت العدل” والإخراج لــ”محمد العدل” والإنتاج لـ”جمال العدل”، فيما حضرت النساء في أدوار؛ المونتاج من خلال “منى ربيع” و الــ line producer   كانت “إسراء طاهر” و الــart director  شيرين فرغل.

“جميلة”.. نيللي كريم تتمسك بالمرأة التي تجعل الرجل محركًا رئيسًا لحياتها

شخصية “جميلة” تبدو خلال الحلقات الأولى بريئة، ساذجة، مستكينة تنتصر للخير، إلا أن المجتمع الذي يحيطها بالغيرة والحقد والانتقام والفساد، يُبرز لها وجهًا اَخرًا.

تقع”جميلة” في حب دكتور تجميل مبتدئ وتقرر أن تتزوجه، ليكون قرارها نقطة تحول في حياتها، وبسببه تتنازل عن عشقها الأول وهو فن الباليه بناءً على طلبه، و تقرر أن تسانده ماديًا ومعنويًا، حتى يصبح طبيبًا مشهورًا وثريًا وصاحب إحدى أكبر مستشفيات التجميل.

الدكتور “هشام” هو الرجل الذي تثير ذكورته المرأة شديدة الألق والمقبلة على الحياة، فيحاول بكل الطرق الفوز بها، ليرضي غروره كذكر، ومن ثم يحولها إلى امرأة عادية، وينصرف عنها، ليعيد الكرة باحثًا عن أخرى تحمل نفس الوهج الذي أطفأه في الأولى.

وكما كان يتقدم “هشام” ماديًا واجتماعيًا، كانت “جميلة” تتراجع بعد أن تبدلت حياتها كليًا، واستترت خلف النقاب هروبًا من المجتمع، وأغلقت حياتها على بيتها وزوجها وابنتها الوحيدة “عائشة”.

“جميلة” حتى إن كانت نموذجًا سلبيًا إلا أنه يبقى واقعيًا، يمثل كثير من النساء اللاتي يقدمن تنازلات بالجملة اَملات في ضمان إخلاص الرجل ومع ذلك لا يظفرن بذلك.

شخصية المرأة التي يقود الرجل حياتها سواء إلى أعلى أو إلى الهاوية، قدمتها “نيللي كريم” العام الماضي في مسلسل “سقوط حر” والعام الذي سبقه في “تحت السيطرة”، وقبلهما في “سجن النسا”.

“ليلى”.. غياب الدوافع يصنع شخصية “أحادية” 

بعد ست سنوات من الزواج، تفاجأ “جميلة” يخيانة “هشام” لها مع صديقتها الأقرب “ليلى” وتجسد الشخصية “زينة”، وهي شخصية تضمر قدرًا كبيرًا من الحقد والضغينة لـ”جميلة”، وتحيك المؤامرات ليس لتمتلك زوجها فقط، بل ماله وأملاكه، دون أن يوضح لنا الكاتب المبررات والدوافع النفسية، لأن تكون على هذه الحال الكارهة والحاقدة على كل من حولها دون استثناء، واكتفى فقط بالإشارة إلى أن والدها الذي يشغل منصب سفير، رجل مزواج، انفصل عن أمها الراقصة، التي تحملت مسؤولية تربيتها وحدها، ومع ذلك فهي على علاقة طيبة بوالدها، وتترك أمها في إحدى دور رعاية المسنين.

أيضـــــــــــًا.. «واحــة الغــروب».. في زمن «ثورة» الأنا الذكورية .. يُقبَر تمرد النساء ويُثَمَّن استسلامهن

الخذلان أشد إيلامًا من الخيانة

فضلًا عن خيانة الحبيب والصديقة، تعاني “جميلة” من خذلان أسرتها باستثناء والدها، الذين انحازوا إلى الزوج على حسابها، بسبب المال والمصالح المشتركة، فأمها وأخويها يعملون معه في المستشفى التي يمتلك الحصة الأكبر فيها.

خذلان الأهل لابنتهم خاصة في المشكلات الزوجية، أمر لا غبار على واقعيته ومعايشته في الحياة اليومية، وقد يرجع الخذلان إلى “المال” أو “صون البيت” أو “المصالح” أو “الخوف من المجتمع”، ولذلك فعلى الرغم من المبالغة في الميلودراما إلا أن العديد من المواقف تتلامس بقدر كبير مع الحياة اليومية.

الجمال الجسدي ودونية الرقص

انشغل المسلسل في كثير من الأحيان بــ”الجمال الجسدي” للمرأة، وقد ظهر الزوج مرارًا يشكو تغير شكل زوجته للأسوأ بعد الزواج، بعد أن أصبحت أكثر بدانة وارتدت النقاب، وكأن تغير مظهرها مبرر كاف لارتكاب الخيانة، ثم يعود ويراها جميلة عندما تفقد وزنها وتعود لتمارس الباليه الذي كان يخجل من معرفة الناس بأنها تمتهنه.

لم يتوقف الأمر عند حد الانزعاج من الجسد الذي خرج عن الإطار المحدد له، بل امتد إلى السخرية من النساء البدينات بهدف إثارة الضحك، وهو ما تكرر على لسان “فردوس” وهي محامية “جميلة” التي تتحول إلى صديقتها، وتؤدي دورها “مي كساب”.

من ناحية أخرى، مثلما أحاط برقص الباليه حالة احتفاء، أدين الرقص الشرقي باعتباره مسيئًا لمن تمتهنه، وظهرت شخصية الراقصة التي جار عليها الزمن تمثل عبـئًا على ابنتها، حتى بعد اعتزالها، مما جعل “ليلى” تودع أمها في إحدى دور رعاية المسنين، خجلًا منها ومن مهنتها، وتتحول الراقصة العجوز وتؤدي دورها “نجوى فؤاد”، إلى أداة يتطلع كل من يعادي “ليلى” إلى استغلالها في الحرب ضدها.

“الخيانة” تجمع كل هؤلاء

أغلب شخصيات المسلسل تورطت في الخيانة بمختلف أشكالها، مثل “عبلة” زوجة “رامي” شقيق “جميلة” التي خانته في البداية مع شقيقه، وانتهى الأمر دون أن يثبت عليها أو عليه، ثم خانته مجددًا مع “عبد الله” صديق هشام، ومثلما خان “رامي” شقيقه، خان شريكته “لطيفة” مع أخرى، ثم يخون “رامي” زوجته، ويقرر الزواج بإحدى فتيات الليل تعرف عليها في أحد البارات، فتتسع شبكة الخيانة خلال حلقات المسلسل، لتصبح الرابط الأقوى بين كل هؤلاء.

“لطيفة” التحرر لا يحتاج لأقنعة تخفيه

تبدو شخصية “لطيفة” التي تؤديها “فرح أو فيدرا”، هي النموذج الأكثر تحررًا، والأكثر تصالحًا مع النفس، تعود إلى مصر بعد فترة طويلة قضتها بالخارج، مما جعلها تقول وتفعل ما تريد دون أن تعبأ بكلام الناس أو تقاليد المجتمع المتحفظ.

تجمعها علاقة حب بــ”كريم” الذي يصغرها في السن، وتقرر أن يعيشا معًا، وتعيد بناء حياته من جديد، تساعده وتدعمه على كل المستويات ومع ذلك يخونها، إلا أن رد فعلها يختلف كليةً عن “جميلة”، ورغم الحب اختارت طي هذه الصفحة بسرعة دون النظر إلى الخلف مطلقًا.

الحق في الحضانة.. ابتداع نصوص قانونية ليتحقق هدف المؤلف

مشهد من مسلسل “لأعلى سعر”

يعد مسلسل “لأعلى سعر” هو واحد من أكثر المسلسلات التي برزت فيها أخطاء المخرج والمؤلف، فقد امتلئ بالعديد من الأحداث غير المنطقية، مثل اسم رسالة الدكتوراة التي ناقشها الدكتور “هشام” و كان “جراحة التجميل في جسم الإنسان”، أو الملابس التي ارتدتها “ليلى” داخل المستشفى، أو سرقتها لحقيبة طليقها من سيارته التي يحيطها عناصر الأمن دون أن يراها أحد منهم، ولعل الخطأ الأبرز والأكبر الذي غير سير الأحداث تمامًا هو حق الحضانة، فقد قدم المسلسل صراعًا بين “هشام” و”جميلة” بعد طلاقهما، حتى ينتزع منها حضانة ابنتهما، وعلى الرغم من أن القانون ينص على انتهاء حق الأم فى حضانة ابنتها عند بلوغها سن 12 سنةً، وابنتهما لم تتجاوز بعد الـ7 من العمر، وفي هذه الحال لا تفقد الأم الحضانة إلا إذا تزوجت ثانية وهو ما لم يحدث بالمسلسل، فضلًا عن أن الحضانة لا تنتقل مباشرة إلى الأب كما جرى، فالقانون ينص على ترتيب من لهن حق الحضانة ووفقًا للمتعارف للمحارم من النساء “الأم، ثم أم الأم وإن علت، ثم أم الأب وإن علت، فالأخوات الشقيقات، فالأخوات لأم، فالأخوات لأب، فبنات الأخت الشقيقة، فبنات الأخت لأم، فالخالات بالترتيب المتقدم في الأخوات.”

تعدد الزوجات.. شرعنة الخيانة

التعامل مع خيانة هشام لـ”جميلة” خاصة من جانب الأم، كان مختلفًا عن التعامل مع “عبلة” التي خانت ابنها “رامي”، فالأم التي اختلقت المبررات لزوج ابنتها، مثل عدم اهتمامها بمظهرها، وارتدائها النقاب، أو أن الرجل طبيب تجميل وتأتيه الكثير من الجميلات قد “تخطفه” إحداهن، هي نفسها كانت أشد حزمًا مع خيانة زوجة ابنها، ولم تُبدِ أي تسامح معها، ولم تبحث عن مبرر لما فعلته زوجة ابنها، ولم تشك أنه كان سببًا في خيانتها له.

من ناحية أخرى، لم يعترف الطبيب الوسيم بخيانته، واعتبر أن ما فعله حق شرعي وديني، فقد تزوج كما يحق له، واستخدم الرخصةالدينية ليتبرأ من خيانته، وخداعه لزوجته التي اكتشفت الأمر صدفةً.

“هشام” مثل كثير من الرجال يتخذون تعدد الزوجات ذريعة لممارسة الخيانة تحت غطاء شرعي، في ظل بلد ترفض مؤسساته الدينية والتشريعية إدارك الظلم الواقع بسبب هذا التمييز لصالح الذكر على حساب الأنثى، على الرغم من أن دولًا إسلامية أخرى تمنعه تمامًا مثل تونس أو تقيده بشدة مثل المغرب.