أتت من الشام إلى مصر، والكتابة عشقها، والنساء همها، والإصلاح مبتغاها، فأسست واحدة من أهم المجلات النسائية في فترة الإزدهار التي سبقت ثورة يوليو 1952، ونظمت الشعر وألفت القصص والروايات، لتصبح  “لبيبة هاشم” من العلامات الفارقة في الصحافة والأدب في بدايات القرن العشرين. 

هدية بلاد الأرز

ولدت لبيبة يوسف ماضي في قرية كفرشيما في لبنان في عام 1880، وتلقت تعليمًا جيدًا في صِباها، فقد التحقت بمدرسة الراهبات العازريات التابعة للإرساليات الأجنبية في بيروت وتخرجت فيها، بعد أن أتقنت اللغتين الفرنسية والإنجليزية.

برز حبها للكتابة والصحافة مبكرًا، وبدأت في عامها السادس عشر، تكتب للصحف والمجلات، مطوعةً قلمها للدفاع عن المرأة، وراسلت مجلة “الثريا” في بيروت بتوقيع “لبيبة ماضي -بيروت”، ونشرت لها المجلة في العدد الصادر بتاريخ 15 يوليو 1896 مقالًا عن فوائد العلوم للنساء، كتبته تطالب النساء العربيات بإتقان لغة بلادهن أولًا، مشددةً على وجوب أن يتعلم الإنسان لغته الأصلية قبل سائر اللغات، وذلك في ظل انتشار المدارس الأجنبية في بلاد الشام.

الانتقال إلى حيث ولدت الصحافة العربية

انتقلت “هاشم” في نهايات القرن التاسع عشر إلى مصر، حيث كان يقيم أخويها نجيب وخليل ماضي، وفي ذلك الوقت كانت مصر حلمًا لكل من يريد الاشتغال بالصحافة، فهي مهد الصحافة العربية، وسرعان ما فُتِحَت الأبواب أمامها، فتعرفت على الأدبية  اللبنانية “وردة ناصيف اليازجي”، صاحبة ديوان «حديقة الورد»، وتتلمذت على يد أخيها الشيخ إبراهيم اليازجي، الذي علمها اللغة العربية، فأتقنتها، وتعلمت منه أصول كتابة الخط الفارسي، فأجادته، ثم اشتركت معه في تحرير مجلة “الضياء” التي أسسها في عام 1898 حتى توقفت عن الصدور في عام 1906.

كما كتبت مقالات لمجلة “المقتطف” وهي مجلة شامية مصرية، صدرت في بلاد الشام في عام 1876، ثم انتقلت إلى القاهرة لتصدر منها حتى توقفت في عام 1952.

كتبت في أحد مقالاتها لهذه المجلة في عام 1902، ترد على أسعد داغر، الذي اتهم المرأة الشرقية بالجهل وعدم القدرة على البيان، مؤكدةً أن النساء يساوين في الرجال في التحرير البيان.

تحولت من “لبيبة يوسف ناصيف” إلى “لبيبة هاشم” عندما تزوجت الأديب عبده هاشم في عام 1911 وانتسبت إليه، وعرفت أدبيًا بهذا الاسم.

المجلة النسائية الأطول عمرًا قبل ثورة 1952

بعد توقف مجلة “الضياء”، قررت أن تطلق مجلة تعبر عن أفكارها المدافعة عن النساء، وبالفعل أصدرت في 15 أكتوبر من العام 1906 مجلة باسم “فتاة الشرق” صدرت من القاهرة، وكانت شهرية أدبية تاريخية روائية، واستمرت لأكثر من 33 سنة، حتى توقفت في عام 1939، عندما انتقلت مع بداية الحرب العالمية الثانية مع زوجها إلى أمريكا اللاتينية، واستقرت هناك حتى وافتها المنية بعد عدة سنوات.

كتبت “هاشم” في مقدمة العدد الأول عن أسباب إصدار المجلة والسياسة التي ستسير عليها في تحريرها،  وقالت “منذ تمكنت من تحريك القلم، وأنا أفكر في إنشاء مجلة نسائية أقدم فيها سيدات وطني وبناته، وأنشر على صفحاتها ما يلذ رجال الشرق مطالعته من أيدي نسائه.”

من أشهر ما كتبت في مجلة “فتاة الشرق”، مقال بعنوان “القمار والزواج” تحدثت فيه عن مساوئ هذه العادة السيئة “فلا أهلًا بعصر جرّ على الشرق أمثال هذا الداء، ولا مرحبًا بفرنجة اقتبسنا عنهم هذه الخلة الشنعاء، وسلام على زمن قضاه أجدادنا في بسطة العيش وصفو المسرات، وسقيا لأيام سادت فيها الجهالة، ولكنها امتازت بالفضل وصيانة الذات، بل تعسًا لدهر غدونا نشكو فيه الحاضر ونتلهف على ما فات”.

في خدمة الحركة النسوية

علاوة على الدور الذي لعبته مجلة “فتاة الشرق”، في الدفاع عن المرأة والمناداة بحقوقها، أفردت المجلة مساحة واسعة لمتابعة أخبار الجمعيات النسائية والأنشطة التي كانت تقوم بها “هدى شعراوي” وزميلاتها وخاصة خلال مشاركاتهن في المؤتمرات الدولية، كما اهتمت بتاريخ الحركات النسوية السياسية حول العالم خاصة في الدول الأوروبية.

القلم وحده لا يكفي في المعركة

عُرِفت “هاشم” ببراعتها في الخطابة، فكانت تعتلي المنابر في مصر ولبنان وسوريا، وتركزت خطبها على الدعوة لنشر التعليم والنهوض والإصلاح والحث على العمل، وكانت من أوائل من نادوا بإنشاء جمعيات علمية أدبية خاصة بالنساء.

كما ألقت سلسلة من المحاضرات في الجامعة المصرية الأهلية عن التربية والتعليم بعد إنشائها في عام 1908، و عينت في الجامعة ما بين عامي 1911- 1912 كأستاذة في القسم النسائي، حتى سافرت إلى سوريا في عام 1919، بعد أن عهدت إليها الحكومة العربية في دمشق بالتفتيش على مدارس البنات، وهو منصب لم يسبق لامرأة عربية أن تقلدته.

منتجات أدبية أخرى

سافرت إلى تشيلي في العام 1921، وأصدرت هناك مجلة “الشرق والغرب” في مدينة سنتياجو العام 1923، وعادت إلى القاهرة في السنة التالية لتتابع مجلتها “فتاة الشرق”.

أصدرت “هاشم” أول قصة لها في عام 1898م في مجلة “الضياء”وكانت بعنوان “حسنات الحب”، ونشرت في مجلة «فتاة الشرق» قصتي «شيرين» و”جزاء الإحسان”، و”شهيد المروءة والوفاء”، وأصدرت رواية «قلب الرجل» في عام 1904، وهي رواية قصيرة، تقع فى واحد وعشرين فصلًا متسارعًا، وترجع أحداثها إلى زمن الفتنة الأهلية القديمة التي مرت بها لبنان في عام 1860، وتجسد الحالة الاجتماعية والنفسية وقتذاك في لبنان وسوريا ومصر، مشددةً في طياتها على شجاعة وبسالة النساء.

نظمت قصيدتين هما؛ «زهرة الربيع» ونُشِرت في مجلة الثريا في 15 أكتوبر 1896، و«تهنئة» التي نشرتها في مجلة فتاة الشرق في 14 إبريل 1913، بمناسبة حفل تكريم، أقامته الجامعة المصرية للشاعر خليل مطران.

وقالت في جانب من قصيدة «تهنئة»:

لـمـا رأيـتُ النثر غـير مـجـاوبــــــــي

ووجـدت قـدرك فـوق درِّ النــــــــــــاثرِ

حدّثت نفسـي أن أجـرِّب خــــــــــــــاطري

فـي الشعـر تهـنئةً لأفضل شـاعــــــــــر

فـنظَمْت لكـنّي أردت شـــــــــــــــواردًا

مـنسـوبةً مـن جـوهـرٍ وزواهـــــــــــــر

فسألـت زاهـرة النجـوم ضـيـاءهـــــــــا

والجـوهـريَّ سألـته كأســــــــــــــاوري

فحَنَا عـلـيّ الأفق يشكـو فقــــــــــــرهُ

فـالجـوهـريُّ شكـا شكـايةَ خـاســــــــــر

الأفق قـال: لـدى الخلـيل زواهــــــــري

ولـديـه قـال الجـوهـريُّ جـواهـــــــــري

دفاعًا عن فلسطين قبل الضياع

أولت “هاشم” اهتمامًا كبيرًا للقضية الفلسطينية والدفاع عنها، وكتبت مرارًا في مجلة “فتاة الشرق” عن خطورة العدو الصهيوني ومخططاته لاحتلال فلسطين وطمس هويتها، وانشغلت من خلال مجلتها بتغطية أخبار نساء فلسطين، وخاصة المؤتمر النسائي الذي انعقد في أكتوبر في العام 1929، للدعوة إلى إلغاء “وعد بلفور” الذي أسس للكارثة الكبرى التي حلت بفلسطين.

لا يوجد تاريخ محدد لوفاة “لبيبة هاشم”، فهناك مصادر تعتقد في وفاتها في عام 1947، وأخرى تعتقد في أنها ظلت على قيد الحياة حتى عام 1952، ولكن المتفق عليه أنها ماتت في البرازيل، مغتربة عن وطنها الذي ولدت فيه ووطنها الذي بزغ نجمها على أرضها.