يبدو أن عام 2017 هو عام الإنجازات للمرأة العربية، فلا تكف نسائم الأمل عن مداعبة النساء العربيات بين فينة والأخرى، من خلال إنجازات طال النضال من أجل الحصول عليها، ولعل أكثر النساء اللاتي أسعدهن هذا العام، هن التونسيات، اللاتي ظفرن بقانون لمناهضة العنف ضد النساء، ثم إجراءات شديدة التقدم فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين في توزيع الإرث وزواج المسلمات بغير المنتمين لنفس الدين، كما تحققت انتصارات قانونية للنساء اللبنانيات والأردنيات، بعد إلغاء مواد قانونية كانت تفتح الباب أمام إفلات المغتصب من العقوبة إذا تزوج بمن اغتصبها. أما المرأة السعودية التي تُكابد منذ زمن للتحرر من الولاية المفروضة عليها، تحت هيمنة ذكورية هي الأشد سوءًا على مستوى العالم، فإن العام المنصرم يبشرها بثمة انفتاح قادم في الطريق ليغير في الواقع المأزوم الذي أنهك النساء السعوديات.

في أغسطس الماضي، اتخذت وزارة العدل السعودية 4 قرارات تمثل تقدمًا في مجال حماية القاصرات والمطلقات وخريجات القانون اللاتي لا يمارسن مهنة المحاماة.

ومؤخرًا أُعلِنَ عن تعيين أول امرأة متحدثة لسفارة سعودية، وهي “فاطمة باعشن” لسفارة السعودية في العاصمة الأمريكية واشنطن، وتبع ذلك الإعلان عن القرار الذي طال انتظاره، وتحملت النساء الكثير من المشقة، وخاضت معارك عديدة في حرب بدأت في عام 1990 حتى يخرج إلى النور، وهو قرار السماح للنساء بقيادة السيارة، الذي صدر بمرسوم ملكي مساء الثلاثاء الموافق 26 سبتمبر، وتعكف الحكومة السعودية على إعداد تقرير، بموجبه سيبدأ تطبيق القرار في يونيو المقبل (2018).

بهذا القرار، المفترض أن ينتهى استلاب حق المرأة في الحركة والتنقل حيثما شاءت ووقتما أرادت، الذي ظلت تمارسه السلطة تحت ستار النصوص الشرعية، بينما هو في حقيقة الأمر حجة ليستمر النظام الأبوي في استبداده بحق النساء.

الاحتفاء بالقرار لم يكن محليًا، وإنما امتد عبر القارات، لأن التضامن مع حقهن في قيادة السيارة كان عالميًا، إذ لم تكن أي دولة تمنع النساء من ممارسة هذا الحق سوى السعودية.

احتفاء برنامج The View  المذاع على قناة ABC  الأمريكية، بقرار السماح للنساء السعوديات بقيادة السيارة

لا سلطة لولي الأمر مجددًا

بعد إعلان القرار، حاول الرافضون له إفساد فرحة مؤيديه، وإثارة البلبلة بشأن اَلية تنفيذ القرار، وشاع على مواقع التواصل الاجتماعي إدعاء أن استخراج رخصة القيادة للمرأة سيستدعي موافقة ولي الأمر، وهو ما نفاه كليةً السفير السعودي في واشنطن الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، مؤكدًا أن المرأة السعودية لن تحتاج إلى إذن ولي أمرها لاستخراج رخصة قيادة.

الناشطة السعودية منال الشريف تعقيبًا على قرار السماح للمرأة بالقيادة

المحاولة الأولى لكسر القيد

في الساعة الرابعة عصر يوم الثلاثاء الموافق 6 نوفمبر من العام 1990، انطلقت ثلاثة عشر سيارة تقودها نساء سعوديات عددهن  49 امرأة، وأعمارهن تتراوح بين 19 و41، منهن، أكاديميات وطالبات في الجامعة ومعلمات وإداريات في المدارس وربات منازل وسيدات أعمال.

وبعد نحو عشر دقائق من التجول في شوارع الرياض، أوقفتهم إحدى سيارات المرور، وعندها تقدمت إحداهن إلى الشرطي، وطلبت منه أن ينقل رسالة منهن إلى أمير الرياض وقتذاك وكان الأمير سلمان بن عبد العزيز (الملك حاليًا)، يشرحن فيها معاناتهن مع السائقين الأجانب أو مع أولياء أمورهن، وأنهن لا يستطيعن الذهاب إلى أي مكان دون سائق أو محرم من أقاربهن، وأثناء النقاش الدائر بين النساء والشرطي، وصلت سيارات لرجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخرج منها ملتحون، اندفعوا تجاه النساء يسبونهن، فتدخلت الشرطة لمنع رجال الهيئة من التعرض لهن، واقتادوهن إلى مركز الشرطة حتى حضر الأزواج والاَباء والأخوة والأبناء الذكور، ويجري إخلاء سبيلهن، بعد تعهد من أوياء أمورهن بألا يقدن السيارات مجددًا.

وكانت هذه الواقعة باكورة النضال والمقاومة التي استمرت حتى العام الحالي.

“السادس من نوفمبر: المرأة وقيادة السيارة، هو كتاب لاثنتين من المشاركات في حراك 6 نوفمبر، وهما؛ عائشة المانع وحصة آل الشيخ، ويُعد أول كتاب يوثق التجربة، قبل المسيرة وأثناءها وما تلاها من تداعيات وأحداث وصخب إعلامي، وصدر في لبنان”

لا توجد حتى اللحظة، تفاصيل أو معلومات رسمية بشأن الشروط المحددة لحصول النساء على رخصة قيادة السيارة، خاصة أن اللجنة الوزارية لن تُصدر تقريرها قبل شهر من الاَن، لكن النظام يضع شروطًا على الجنسين تتمثل في إتمام الـ18 سنة لرخصة القيادة الخاصة و20 للعمومية، واجتياز اختبار القيادة وحمل الهوية الوطنية، واجتياز الاختبار النظري، وعدم استخدام النظارات الطبية والعدسات اللاصقة.

سأقود سيارتي بنفسي

ظلت قضية قيادة المرأة للسيارة مطروحة على الساحة بعد حراك 6 نوفمبر 1990، لكن لم تظهر دعوة للنزول إلى الشوارع في مشهد أشبه بالسابق، إلا في يونيو من العام 2011، عندما وجهت بعض الناشطات النسويات وعلى رأسهن “منال الشريف” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك وتويتر، يدعين النساء إلى النزول إلى الشارع في يوم 17 يونيو من العام 2011 وقيادة السيارات منفردات.

وفي إطار الحملة، صورت الناشطة “وجيهة الحويدر”، مقطعًا مصورًا لها واَخرًا لــ”الشريف” أثناء قيادتهما في مدينة الخُبر، ونشرتهما في 20 مايو وحقق خلال 24 ساعة، 600 ألف مشاهدة، وكان هذا الصدى والانتشار سببًا في غضب السلطات السعودية، التي ألقت القبض على “الشريف” في اليوم التالي، وسرعان ما أفرجت عنها، ثم عادت وألقت القبض عليها ولم يُفرَج عنها إلا بعد 10 أيام، بعد تعهد كتابي بعدم قيادة السيارة مرةً أخرى، وكان لذلك أثره على الحملة، فجاء خروج النساء منفردات للقيادة محدودًا، ومع ذلك حققت الحملة أثرًا بفضل الصور والتسجيلات التي نشرنها المشاركات في الحملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، توثق قيادتهن للسيارات.

أيضـــــًا.. من «لجين الهذلول» التي تثير حفيظة السلطات السعودية؟

على عكس حراك الــ6 من نوفمبر، ذهب قطاع من المعارضين إلى ما هو أبعد من دفاع عن حق، أو محاولة لهز الثوابت المجتمع السعودي كما يدَّعون، وروجوا إلى أن هذه الدعوة واجهة لمحاولات تهدف إلى النزول إلى الشوارع بغية إسقاط النظام الحاكم، في مشهد مشابه للثورات العربية، التي اندلعت في نفس العام في عدد من الدول العربية، ولذلك لم يكن الوصم بــ”الساقطات” فحسب وإنما امتد للاتهام بالتاَمر على النظام.

من حقي أسوق

في عام 2011 أيضًا، وبعد شهر وأيام قليلة، انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حملة “من حقي أسوق” في شهر أغسطس تحديدًا، الذي تزامن مع شهر رمضان الهجري.

وبالتوازي مع هذه الحملة، أطلق عدد من الرجال السعوديين حملة تأييد تحت عنوان “أنا رجل مؤيد” بهدف تسليط الضوء على بعض المفاهيم الخاطئة حول القيادة، والتوعية بأضرار وجود السائقين الاجتماعية والأمنية والاقتصادية.

26 أكتوبر

دشنها مجموعة من الناشطات السعوديات، في سبتمبر من العام  2013، وصدر عن الحملة بيان يطالب الدولة بإتاحة الفرصة للنساء لقيادة سياراتهن بأنفسهن، وطالب النساء اللاتي يمتلكن تراخيص من دول أخرى، بالنزول إلى الشوارع في 26 أكتوبر، وقيادة سياراتهن تحديًا للحظر المفروض.

علاوة على ذلك، أعلنت الحملة أنها جمعت ما يقرب من 9000 توقيع للسماح للمرأة بقيادة السيارة، ونشرتها في عريضة في 21 سبتمبر.

وقبل يومين من انطلاق الحملة، أصدرت وزارة الداخلية بيانًا تحذر من التجمعات، مؤكدةً أنها ستتعامل مع الأمر بكل صرامة وقوة، وكان لذلك أثره في وأد الحملة، وتكرر هذا في العام التالي 2014، عندما خرجت دعوات مماثلة تطالب بنزول النساء لقيادة السيارات في نفس التاريخ، إلا أن القبضة الأمنية والتحذيرات شديدة اللهجة، أجبرت القائمات على الحملة على العدول عن دعوتهن.

“ألان ديجينريس” تسخر من منع قيادة المرأة للسيارة في السعودية  وتدعم متحدياته

أكثر من 60 يومًا من الاعتقال

في 29 نوفمبر من العام 2014، قادت الناشطة “لجين الهذلول” سيارتها قادمة من الإمارات  إلى السعودية، وعند وصولها إلى الحدود السعودية الإماراتية، مستخدمة رخصة قيادة إماراتية تُمَّكنها من القيادة في دول مجلس التعاون الخليجي جميعها، بحسب اتفاقية مبرمة بين هذه الدول، إلا أن الجهات المعنية بمنفذ البطحاء الحدودي (المنفذ الحدودي البري للسعودية مع الإمارات) أوقفتها دون تهمة محددة، وأمضت “الهذلول” يومًا وليلة على الحدود، مصرةً على العبور في سيارتها.

حاولت المذيعة السعودية  “ميساء العمودي” الوصول إلى صديقتها المحتجزة على الحدود، لتدعمها معنويًا وماديًا ببعض احتياجاتها الشخصية، فاعتقلتهما السلطات السعودية، وقضتا 60 يومًا قيد الاعتقال.

هذه الواقعة تحديدًا لاقت تفاعلًا دوليًا كبيرًا أكثر من أي تحرك سابق في هذا الصدد، وتحولت القضية في نظر المجتمع الحقوقي العربي والغربي، دليلًا دامغًا على الاستبداد الذي تعيش تحت وطأته المرأة السعودية من ناحية، وتوثيقًا لثورة النساء ضد القهر وانتهاك حقوقهن.

الناشطة السعودية “لجين الهذلول”

القضية اجتماعية وليست دينية

في فبراير من العام 2016، تحدث وزير الخارجية السعودية “عادل الجبير” عن منع المرأة السعودية من قيادة السيارة، خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن، وأكد أن المرأة السعودية تمضي بخطوات ثابتة في إتجاه الحصول على حقوقها، مشيرًا إلى أن ثمة محاذير اجتماعية وليست الدينية تحول دون تمكن صناع القرار من السماح للمرأة بقيادة السيارة، لافتًا إلى أن السعودية لم تسن قانونًا يمنع المرأة من قيادة السيارة، وعلى الرغم من أن “الجبير” لم يعلن حينذاك عن خطوات متفائلة في هذا السياق، إلا أن حديثه بدا أكثر انفتاحًا، واعتبره البعض تحولًا، بعد أن شدد على أن السلطة تسعى  إلى تذليل العقبات الاجتماعية، حتى تنال النساء السعوديات هذا الحق.

بصدور المرسوم الملكي، مساء الثلاثاء الموافق 26 سبتمبر 2017، تؤتي حملات مقاومة النساء السعوديات للقهر ثمارها، ويصبح الحق متحققًا، وأهميته لا تتوقف على تحرر النساء من تقييد حرية حركتهن، وإنما فيما يمثله من تأكيد على أن رهانات الفشل لابد أن تسقط وكل نضال مهما طال لا بد أن يُكلل بالنصر.