مسلسل تتابع حلقاته يومًا بعد الاَخر، في مواسم لا تنتهي، وعنوانه “الفتاوى المتطرفة”، التي تصل إلى ما هو أبعد من مخالفة الدين، فهي تخاصم العقل والمنطق، ورغم الهجوم الذي يلحق بمُصدري هذه الفتاوى في كل مرة، إلا أنهم لا يكفون عن الترويج لأفكارهم القابعة في كهوف الظلام، وكأن زمنًا لم يمر على عقولهم، أو نورًا أضاء الليل الظَلِم الذي يسكن نفوسهم.

ذاعت مؤخرًا فتوى لأحد العلماء الأزهريين يفتي فيها بجواز معاشرة الزوجة المتوفية جنسيًا، وهي ليست جديدة على المسامع، فقد أفتى بها من قبل شيوخ سلفيين، ولذا فالجديد في الأمر هو انتقال هذه الفتوى شديدة المن أفواه السلفيين الذين عادة ما يلحقهم الوصف بالتشدد، إلى شيوخ الأزهر الذي ينسبون أنفسهم إلى التيار الوسطي.

لا يكف السلفيون عن إطلاق فتاويهم، التي تحط من قدر النساء وتؤطرهن داخل جسد، وظيفته الرئيسة، إن لم تكن الوحيدة إمتاع الرجل وخدمته، ومنذ أكثر من عقد لم تعد هذه الفتاوى حكرًا على هذه الفئة، بعد أن دخل أزهريون على الخط، ولعل أبرز ما أفتوا به؛ إباحة تزويج الطفلة وإن كان عمرها سنة واحدة، كما جاء على لسان الشيخ مفتاح محمد فضل، والداعية أبي إسحاق الحويني الذي أوجب تغطية وجه المرأة مشبهًا إياه بفرجها.

المنتمون لمؤسسة الأزهر اتفقوا مع السلفيين مرارًا في العديد من هذه الفتاوى التي تعمد إلى تسليع النساء، ومؤخرًا طفى إلى السطح فتاوى من هذا النوع، مثل التي نُسِبَت إلى الدكتورة “سعاد صالح” أستاذة الفقه المقارن في جامعة الأزهر، بعد أن  أفتت بحق الفتاة المغرر بها على حد وصفها، في ترقيع غشاء البكارة، وإن كانت هذه الفتوى تروج للخداع بين الشريكين، فعلاوة على ذلك، هي تؤكد على قدسية غشاء البكارة، وأنه معيار ودليل عفة المرأة المرتبطة بجسدها وليس عقلها، كما صرحت “صالح” أيضًا بحق الخطيب في أن يرى خطيبته التي ترتدي الحجاب بدونه، كما يحق له رؤية بعض الأجزاء من جسدها، مبررةً ذلك بأنه يقدم على زيجة العمر، ولذلك يحق له التحقق من شريكة عمره فقد لا تعجبه، لتؤكد مجددًا أن المرأة مجرد جسد لإمتاع الرجل، يحق له معاينته كأي سلعة قبل أن يشتريها، فضلًا عن أن باطن الفتوى، يفيد بأن الرجل يحق له أن يتفحص جسد المرأة، وقتما أراد أن يتزوج هذه المرأة، وبالتالي قد تُفهَم بأنها دعوة مبطنة للتحرش بالنظرات، والمبرر هو استطلاع جسد المرأة التي يفكر الرجل في الزواج بها.

“صالح” ليست الأولى، فقد سبقها في عام 2015، الدكتور “أحمد كريمة” أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، الذي اعتبر أن ختان الإناث عملية تجميلية يقدرها الطبيب، ذلك على الرغم من وجود مادة قانونية (242 من قانون العقوبات)، التي تجرم ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث المعروف باسم الختان.

الفتوى التي نالت القدر الأكبر من الجدل عندما خرجت من بوابة الأزهر، كانت تلك التي عُرِفت بــ”إرضاع الكبير”، وأفتى بها رئيس قسم الحديث في جامعة الأزهر، في عام 2007، ومفادها وجوب أن ترضع المرأة زميلها في العمل، تجنبًا لإثم الخلوة.

الفتاوى ترتبط بالتوجه العام في المجتمع

ترى “نيفين عبيد” العضوة بمؤسسة المرأة الجديدة، أن هناك اتجاهين عند الحديث عن الفتاوى الدينية، أولهما هو المقاصد الكلية من الشريعة، وقد تكون مشتركة بين الأديان السماوية وغير السماوية، مثل؛ الحب والخير والعدل وخلافه من القيم العامة، والثاني هو الاتجاه العام في المجتمع، وأغلب الفتاوى تصب في هذا الاتجاه، بمعنى إن كان الشائع هو التمييز بكافة أشكاله، تخرج الفتاوى تعضد هذا النمط، أو العكس إذا كان الاتجاه العام هو مواجهة التمييز وهكذا.

من جانبها، ترى الكاتبة الصحافية “فاطمة خير” ومؤسسة شبكة نساء من أجل الإعلام، أن الأصل في إصدار الفتاوى، هو الإجابة عن سؤال من شخص ما، وتقول «بالنظر إلى هذه الأسئلة يتضح حجم الجهل وغياب الثقافة لدى المجتمع، وعلى الرغم من أن نسبة الأمية في مصر قبل مئة عام كانت مرتفعة، لكن كان هناك وعي إلى حد كبير.»

اهتمام الفرد بالحصول على تصاريح دينية – فتاوى- في كافة تفاصيل حياته تشبهه “خير” بمرض الوسواس القهري، وتضيف «بعض الناس يرددون مقولة “إن الشيطان يكمن في التفاصيل”، رغم أن القاعدة العامة في الدين تقول “إن الحلال بين والحرام بين”، إلا أننا نجد حالة ولع من قبل المواطنين، لستطلاع رأي الدين في أدق تفاصيل حياتهم، خوفًا من الحرام ولكنه يبقى خوفًا مرضيًا.»

وتردف “خير” قائلة «الأمر أشبه ما يكون برغبة المواطن في تحميل أي فرد ذنب أي فعل يقوم به إن كان خطئًا، وهو ما يكشف خوف الأفراد من الحرية، لأنها مسؤولية، ومن ثم يختارون من ينوب عنهم للتفكير، وهو ما أورده الأديب عباس العقاد في كتابه “عبقرية عمر”.»

وتُّحمل “خير” مسؤولية هذه الفتاوى لمن يتولون الرد عليها «من الممكن تجنب منح أهمية لمثل هذه الفتاوى، عبر رد بسيط وهو “استفتِ قلبك.”»

التمسك بالرد على جميع الفتاوى والإجراءات والقوانين التي لها صلة بالشؤون الدينية، أمر يشترك فيه السلفيون وبعض الأزهريين، وترجعه “نيفين عبيد” إلى أسباب سياسية، وتقول «لقد أشاع الأزهر حالة من الرفض تجاه التغييرات الاجتماعية التي شهدتها تونس مؤخرًا، ربما لم تقم بها المملكة العربية السعودية نفسها.»

“جواهر الطاهر” العضوة بمؤسسة قضايا المرأة، تقول إن مؤسسة الأزهر أصدرت وثيقة بعنوان “وثيقة حقوق المرأة” في عام 2014، إلا أنها اختفت تمامًا بعد ذلك، وتتناقض الاَراء والتصريحات الأخيرة مع ما ورد في الوثيقة كليًا.

السخرية من الفتاوى ليست دليلًا على تغير لصالح النساء

مع تزايد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة، تُظهِر تعليقات المستخدمين حالة رفض متنامية تجاه هذه الفتاوى، فضلًا عن تحويلها إلى مواد للسخرية في كثير من الأحيان، ولكن هذا الأمر لا يحمل أي مؤشرات بشأن تغير المجتمع في رأي الباحثة “نيفين عبيد” التي تنظر إلى السخرية من الفتاوى أو رفضها باعتبارها أمرًا طبيعيًا، طالما لم تمس أو تهدد سلطة الرجل أو مركزه في المجتمع، الذي يسوده اتجاه تقليدي محافظ، وتتابع «تكشف التعليقات في بعض الأحيان، حجم الحرب التي تواجهها المرأة والمهتمات بالشأن النسوي في المجال العام.»

تتفق “جواهر الطاهر” عضوة مؤسسة قضايا المرأة، مع الباحثة “نيفين عبيد”، وتؤكد أنها لا ترى تغييرًا في استقبال المتلقي لهذه الفتاوى، وإنما فيما وصفته بفجاجة وفظاعة الفتاوى نفسها.

وتشدد “الطاهر” على أن سلوك الموجودين على مواقع التواصل الاجتماعي لم يعد معاديًا للفتاوى المعادية للنساء، بالإشارة إلى أن كثير من المعلقين كانوا رافضين للتغييرات الاجتماعية التي عرفتها تونس مؤخرًا فيما يتعلق بالمساواة مع الرجل في الميراث، زواج المسلمة بمن ينتمي لغير دينها، وذلك رُغم تقدمية الإجراءات، فضلًا عن وجود تعليقات تؤيد فتاوى “سعاد صالح” الأخيرة إذا كانت لصالح الرجل أو ترفضها إن كانت تبدو مع المرأة.

الإعلام مشتت ومشغول بـ«الترافيك» على حساب المضمون

القنوات الإعلامية على اختلافها، هى الأداة التي تناقل هذه الفتاوى، وتنشرها على نطاق واسع، وتجعلها حديث الساعة، وهو ما ترجعه الكاتبة الصحافية “فاطمة خير” إلى التشتيت الذي يعانيه الإعلام  في مصر ونقص الرؤية لدى القائمين عليه، مؤكدةً أنه ليس أمرًا جديدًا وإنما نهج مستمر منذ سنوات، فضلًا عن غياب المهنية والانشغال بالترافيك (عدد القراءات)، وحصد المشاهدات بغض النظر عن المضمون، ولذلك فإن صناع الإعلام يلجأون إلى هذا النوع من المضامين، بديلًا عن تقديم أو مناقشة قضايا مهمة أو حتى تقديم محتوى ممتع للجمهور.

الفتاوى «المتطرفة» مستمرة رغم دعوات تجديد الخطاب الديني

تقول “جواهر الطاهر” العضوة بمؤسسة قضايا المرأة، إن هذه الفتاوى بشكل عام أمر غير مُستَغرب، لأنها ظاهرة قديمة ولن تنتهي، ولكن في ظل الدعوة المستمرة لتجديد الخطاب الديني من قبل السلطة هنا ما يدعو إلى العجب، وهو ما يكشف أيضًا بحسب “الطاهر” غياب أي رؤية للمؤسسات الدينية في مصر – الأزهر والكنيسة – بشأن تجديد الخطاب الديني.

قد يبدو أن المؤسسات النسوية في مصر تتجاهل مواجهة هذه الفتاوى بالشكل المرجو، وهو ما ترد عليه “الطاهر”، مشيرةً إلى وجوب مواجهة مثل هذه الفتاوى على شتى المستويات، مشيدةً بقرار إحالة صاحب فتوى معاشرة الزوجة الميتة إلى التحقيق، وتوضح عضوة مؤسسة قضايا المرأة، أن المؤسسة كانت تهتم بالرد على مثل هذه الفتاوى، ولكن مع استمرارها، قررت توجيه جهودها إلى أمور أكثر أهمية مثل التشريعات والقوانين.