وراء السواد الأعظم من القضايا، التي طُبِّق فيها حد الرجم بحق النساء في إيران منذ خضوعها للحكم الإسلامي في العام 1979، تفاصيل تكشف حجم الظلم الواقع عليهن، واستغلال الدين كأداة لتعميق السطوة الذكورية في هذه المجتمعات، التي لا تعترف بوجودهن إلا للعمل على خدمة وإرضاء الرجال جسديًا وجنسيًا.

قصة من هذه القصص، نقلها الصحافي الإيراني الأصل، الفرنسي الجنسية “فريدون ساهيب جام”، من خلال رواية تحمل عنوان “رجم ثريا”، أصدرها في العام 1994، وأثارت جدلًا كبيرًا وقتذاك، وأضحت الأكثر مبيعًا، ثم تحولت إلى فيلم سينمائي إيراني صدر في العام 2008 ، واستقبلته دور العرض الأمريكية في يونيو من العام 2009.

وتدور الأحداث في قرية “كوبالي”، غرب العاصمة الإيرانية، طهران، في الثمانينيات، حيث طُبِّق حد الرجم حتى الموت بحق سيدة تدعى “ثريا مانتوشهري”، لاتهامها بممارسة الزنا، لكن التفاصيل التي ترويها إحدي سيدات القرية وتدعى “زهرة”، وهي خالة “ثريا”، تكشف المؤامرة التي حاكها زوج “ثريا”، المدعو “علي”، وشيخ القرية، المُلا “حسن”  للتخلص منها، بعدما رفضت الطلاق من زوجها، الذي يريد أن يتزوج بطفلة تدعى “مهري”، مشترطًا ألا يعطيها مؤخر صداق أو يلتزم بنفقة بناته، اللاتي قرر تركهن لها، بينما سينتقل الذكور للعيش معه، في تفضيل يؤكد أن الرجال في هذه القرية التي يسودها الجهل، يتعاملون مع الإناث كونهن عبئًا من أعباء الحياة، يريدون التخلص منه، طالما لا يحقق لهم متعةً حسية.

لم تكن “ثريا” ترفض الطلاق، رغبة في الاستمرار معه زوجةً، ولكن إصرارًا على أن تنال حقوقها وحقوق أبنائها المادية، وعندما أيقن بأنه لن يفلح في الحصول على موافقتها، قرر اختلاق واقعة الزنا ليتخلص منها نهائيًا.

تجدر الإشارة إلى أن الطلاق في إيران، يتم بحكم من القاضي، بعد محاولة منه للصلح بين الطرفين، وإذا أصر الزوجان على الطلاق، يذهبان إلى مكتب تسجيل الزواج والطلاق، ليستخرجا شهادة تثبت الطلاق بحضور شاهدين.

منذ الدقائق الأولى، يتضح مدى الاضطهاد والتضييق الذي تعيش تحت وطأته النساء الإيرانيات، فالنسوة في هذه القرية، تغطيهن الملابس من الرأس حتى أصابع القدمين، بما فيهن الصغيرات، لا يجوز لهن التحدث إلى الغرباء، وتدخينهن للسجائر يحدث سرًا، يسرن محنيات الرؤوس في الطرقات، بينما يسير الرجال بكل ثقة وتجبر وعنجهية.

تلخص “زهرة” وضع النساء في هذا المجتمع، في جملة قالتها للصحافي الفرنسي في مستهل حديثهما «صوت المرأة ليس له أهمية هنا.. وأريدك أن تأخذ صوتي معك إلى العالم.»

تروي “زهرة” لهذا الصحافي، قصة “ثريا” التي عاشت حياةً بائسةً مع زوج، تجتمع فيه شتى الصفات القبيحة، مثل؛ الخيانة، والفساد، والشهوانية، والنذالة، وبالطبع الذكورية، ثم انتهى بها الحال مذنبةً وساقطة في عيون المحيطين بها، فقط لأنها تمردت على ذلك الرجل، الذي تحميه صفته كـ”ذكر” وغطاء الدين الذي يمثله المُلا “حسن”.

نكتشف مع تطورات الأحداث أن “ثريا” تعاني منذ الصغر، حتى قبل أن تتزوج بهذا الرجل، منذ أن أرسلتها أسرتها لتخدم لدى أحد الرجال، حتى يتخلصوا من نفقاتها، التي لم يستطعوا تحملها، فكانت النتيجة تعرضها لانتهاكات جنسية، لم يكن بيدها مقاومتها، وهذا هو السبب وراء تمسكها بأن يستمر زوجها في الانفاق على ابنتيهما بعد الطلاق، خشية أن يتكرر معهما ما عايشته.

العنصر النسائي في الفيلم هو الأكثر قوة على الشاشة، بفضل الممثلة الإيرانية “شهرة اغداشلو” التي أدت دور “زهرة”، و”موزهان مورن” التي أدت دور “ثريا”.

علاوة على توثيق القصة التي حدثت بالفعل، اهتم الفيلم بإبراز التحولات التي شهدتها “إيران” بعد خضوعها للحكم الإسلامي، سواء على صعيد استغلال الدين كمظلة للفساد وارتكاب الجرائم، أو فيما يتعلق بوضعية النساء المزرية، بعد أن كن أفضل كثيرًا خلال حكم الشاه، والإشارة إلى قوة رجال الدين اللا متناهية، والتأكيد على أن كلمتهم هي الأولى والأخيرة، برزت خلال الفيلم في أكثر من موضع، وأكثرها مباشرةً كان ما جاء على لسان “إبراهيم” محافظ القرية، الذي قال نصًا لـ”زهرة” «الأمور لم تعد كالسابق، الشاه لم يعد هنا بعد الاَن.»

تظهر مشكلة زواج القاصرات، والأريحية في التعامل مع مرض “بيدوفيليا”، وهو الانجذاب الجنسي إلى الأطفال،  في حالة “مهري”، الطفلة التي لم تتجاوز 14 عامًا، ويريد “علي” الزواج بها، فيقايض والدها، الطبيب المحكوم عليه بالإعدام، بأن يخلصه من العقوبة بطريقة ملتوية، في مقابل الزواج بها، إلا أنه يفشل في القيام بذلك وفي تحقيق مراده.

يذكر أنه في عام 2002 حدد قانون الأسرة في إيران السن القانونية لزواج الذكور بــ15 عامًا، وللإناث بــ 13 عامًا، إلا أن المشرعين سمحوا لمن هم أقل عمرًا من هذه السن، بالزواج أيضًا، لكن شريطة موافقة الولي، وقرار محكمة صالحة.

يبدو العنف ضد المرأة ليس مستساغًا فحسب في ذلك المجتمع، وإنما يباركه الرجال والنساء أنفسهن، فلم يحرك أحد ساكنًا، عندما أقدم “علي” على ضرب “ثريا”أمام الجموع في الشارع، وتركوه يبرحها ضربًا دون أن يلفظ أحد حتى بكلمة احتجاج، ولم يحمها سوى خالتها “زهرة”.

يمكن النظر إلى هذه القرية الصغيرة، باعتبارها نسخة مصغرة من إيران، الخاضعة للحكم الإسلامي، حيث تُعاني النساء، في ظل سيادة النظرة الدونية لهن، والتعامل معهن باعتبارهن في منزلة أدنى من الرجال على مختلف المستويات، لذلك فالتمييز والعنف ضدهن مشرعن بالقانون والأحكام المصبوغة بالدين.

أجاد المخرج “سايروس نوراسته” في النصف الثاني من الفيلم في أن يعكس الوحشية التي تسود هذه القرية، وإلى أي مدى بلغ الاستبداد باسم الدين، وعلى الرغم مما قد يبدو إطالة أو بطء في وتيرة الأحداث، لكن ذلك عبر بصدق ونقل الصورة المؤلمة بواقعية شديدة، من خلال استعراضه لتأهب أهالي القرية لتطبيق الحد عليها، وكيف صدقوا دون تبين الاتهامات التي وُجهت إليها، وكيف تحولت لحظات الرجم إلى مشهد احتفالي يُدعى إليه الجميع ليلبي، والأهم كيف تبدو السلطة السياسية ممثلة في “إبراهيم” محافظ القرية، ضعيفة وهشة ومنصاعة أمام السلطة الدينية ممثلة في المُلا “حسن”.

في هذا العالم الذي تغيب فيه الإنسانية، يصبح طبيعيًا، أن يسارع الأطفال إلى جمع الحجارة، استعدادًا للرجم، ويهلل الرجال مرددين “الله أكبر” ثم يهتفون “الإعدام” وهم يقودون من اتُهمت بالزنا زورًا إلى الرجم، وكأن نصرًا تحقق، والأنكى أن يقف بين الراجمين، الأب والزوج والأبناء الذكور، ويشاركون في رجمها، وبعد أن يفرغوا الدماء، وينفذوا المجزرة، دون أن يمس أحدهم أي شعور بالذنب، يقضون الليلة يحتفلون، بعد أن حضرت إحدى فرق عروض الشارع إلى قريتهم، وكأن شيئًا لم يحدث.

قصص كثيرة في هذه البقعة من الأرض، تتشابه مع قصة “ثريا”، حيث تُقتَل النساء وتستباح دماؤهن، لأجل أن يحيا الرجال، متمتعين بكامل السلطة ووافر القوة، ومن أبرز هذه القصص، قصة مهندسة الديكور الإيرانية “ريحانة جباري”، التي أُعدِمت في أكتوبر من العام 2014، بعد اتهامها بقتل رجل يدعي “مرتضي سربندي”، كانت قد اتهمته بمحاولة اغتصابها قبل عدة سنوات، واعترفت بقتله دفاعًا عن نفسها، لكن المحكمة الإيرانية لم تأخذ بكلامها ونفذت الإعدام.

وفي وصية تسلمتها أمها  قالت «كانت جثتي ستُرمى في زاوية ما من المدينة، وبعد أيام كانت الشرطة ستقتادك إلى زاوية المكتب لتتعرفي على جثتي، وهناك ستعرفين أنني تعرضت للاغتصاب أيضًا، ولن يُعرف القاتل أبدًا، لأننا لا نملك ثروتهم وسلطتهم.»