محمود بكري: ناقد أدبي وأحد الكتاب المشاركين في حملة «ما تجبرنيش»

عندما خلق الله الإنسان، وهيأه لحمل الأمانة التي أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها، كان الامتحان الأصعب في حمل هذه الأمانة، هو حق الاختيار، فارتضت الكائنات الأخرى بالتسيير، واختار الإنسان الحرية، فمنحه الله إياها، بل وجعل له الحق في أن يختار عبادته أو الكفر به، «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، ولذلك فإن الأعمال التي فيها حق الاختيار كانت هي مناط التكليف، ومناط الثواب والعقاب يوم القيامة، وأي محاولة لسلب الإنسان حريته، وحقه في الاختيار، هي محاولة للوقوف أمام سنة من سنن الله في الأرض، والزواج القبلي أي إرغام الفتاة أن تتزوج بأحد أقاربها يجتث شجرة الحرية، التي غرسها الله في قلب كل إنسان، وبدلًا من أن تكبر ــــــ شجرة الحرية ــــــ وتظلل اختيارات الإنسان، إذا بها تموت بعد اجتثاثها، وتصبح الفتاة لا حق لها في اختيار من تكمل معه حياته، ومن ثمَّ تُصبح سلعة تُباع وتُشترى في صفقة، تعقدها القبيلة على حين غفلة من مراقبة الله، وهذه الفتاة التي قُتِلت بداخلها بذرة الحرية، ستنجب أطفالًا لن تستطيع أن تمنحهم الحرية التي سُلِبَت منها، ومن ثم تنشأ أجيال على الانصياع والقمع والقهر، وحينئذ يتفكك المجتمع، ويسقط من فوق دَرَجِ التقدم والرقي، ونرزح تحت وطأة الفقر والتخلف.

إذن الخطورة لا تكمن في حرمان الفتاة من أهم حق من حقوقها فحسب، وإنما الأمر يصل إلى انهيار المجتمع وتخلف الدولة، لأن المجتمع يتكون من أسر، كل أسرة تمثل لبنة في صرح المجتمع الكبير، فإذا كانت اللبنات هشة ومفككة، فلا تنتظر بناءً شامخًا يتصدى لعوادي الزمن، وإذا كانت الجذور نخرة فلا تنتظر أوراقًا وارفة، وثمارًا وافرة، والخطورة أكبر مما يتصوره الأب أو الأم، اللذان يرغمان ابنتهما على الزواج من إنسان لا تريده، والخطورة تتطور لتشمل المجتمع، والمنفعة المزعومة التي دائمًا ما تكون سببًا رئيسًا في هذه الزيجة، لا تلبث أن تنقلب إلى خسران مبين على المدى البعيد للمجتمع كله.

#ما_تجبرنيش: حملة أطلقتها مبادرة دورِك في قنا، في إطار الـ16 يومًا الدولية لمناهضة العنف ضد المرأة.

تهدف الحملة إلى التوعية بخطورة الزواج القبلي، المنتشر في بعض المناطق في صعيد مصر.