تعرضت  حقوق النساء الإيرانيات وحرياتهن لكثير من التقلبات على مدار عقود، لأسباب عديدة، ما بين الثقافة المجتمعية والدين من ناحية، والتغيرات السياسية من ناحية أخرى، خاصة أن التحولات الكبرى التي شهدتها إيران بعد ثورة 1979، جعلت النساء أمام سلطة تتدخل في كل شيء يخصهن، بداية من اللباس اليومي، مرورًا بالخروج إلى العمل، وصولًا إلى الحقوق السياسية، وحتى تقرير المصير، ووضع كلمة النهاية لحيواتهن.

شاركت النساء بقوة في الثورة الإيرانية (1978- 1979)، وتزعمت النساء الكثير من الاحتجاجات، ونزلن إلى الشوارع، وألقين الخطب في الجماهير الغاضبة، لكن ما أن نجحت الثورة، وصارت مقاليد الحكم في يد الإسلاميين، حتى تحولت الأمور إلى حرب ضد المرأة، تهدف إلى إعادتهن إلى العزلة داخل البيوت، وتنحيتهن عن الحياة العامة.
ناضلت النساء قبل ذلك بعقود من أجل انتزاع حقوقهن، ففي مطلع القرن العشرين وبالتزامن مع الثورة الدستورية، التي جاءت بأول برلمان إيراني في العام 1906، شاركت النساء وقتذاك في الحِراك ضد الاستبداد، وشكلن مؤسسات نسائية لتكون الشرارة الأولى في مسيرة الحركة النسوية، وصدرت أول مجلة نسائية في إيران، ومع ذلك عندما صدر أول دستوى إيراني، في العام نفسه، حرمت نصوصه النساء من العديد من الحقوق، من أبرزها، حق الترشح والتصويت.

خلال عهد الشاه «رضا بهلوي»، الذي بدا متأثرًا بسياسات الزعيم التركي «مصطفى كمال أتاتورك» العلمانية، وأراد أن يحاكي النمط الغربي التقدمي، عبر محاكاة ظاهرية فقط، كانت النساء إحدى أدواته لتحقيق مبتغاه، فمارس تسلطًا حتى في ما أعلن أنه تحرير للمرأة، ومنع ارتداء الحجاب مطلقًا، عبر قانون عُرِف باسم قانون «كشف الحجاب»، صدر في العام 1936، اعتبره البعض اعتداءً على الحريات الشخصية، بينما شهد عهد ابنه «محمد رضا بهلوي»، مزيدًا من المكتسبات للنساء، على مستويات عديدة، اجتماعية، وتشريعية، واقتصادية، لكنها لم تدم طويلًا، بعد أن بُددِت في عهد الخميني.

ما قبل الثورة الإسلامية وما بعدها

لا يمكن لأحد أن ينكر أن الشاه «محمد رضا بهلوي»، كان ديكتاتورًا؛ قمع معارضيه وأغلق المجال العام، وقيد الحريات السياسية، وهو ما أدى إلى اجتماع المعارضة بمختلف أطيافها ومرجعياتها وأيديولوجياتها، على هدف واحد وهو إسقاطه، لكن في الوقت نفسه، فإن انقضاض التيار الإسلامي على الثورة، وصبغهم لها بالتشدد، أحال الأوضاع إلى ما هو أسوأ، وكل ما كانت تشكو منه المعارضة في عهد الشاه، استمر بالإضافة إلى تضييق غير مسبوق على الحريات الفردية.

يختلف وضع النساء في عهد الشاه «رضا بهلوي» عن عهد ابنه «محمد رضا بهلوي»، وعلى الرغم من أن الاثنين، زعما أنهما محرران للمرأة، لكن عهد الأول، لم يشهد خطوات حقيقية في هذا الشأن، وإنما كانت أقرب إلى توجيه وإرشاد، وفرض سلطة عليهن، بما يؤدي الغرض الأساسي له، وهو خلق إيران العلمانية.

الشاه «رضا بهلوي»

في العام 1936، قرر الشاه «رضا بهلوي»، تعديل قانون الأحوال الشخصية، لمنع ارتداء النساء للحجاب، والمبرر الذي لجأ إليه حينها، أنه مظهر من مظاهر تخلف النساء، وبلغ الأمر حد قيام القوات الشرطية، بنزع الحجاب عمن كن يخرجن إلى شوارع، بالشادور (جلباب أو معطف فضفاض غالبا لونه أسود، يغطي جسم المرأة كاملًا)، أو تلقي القبض عليهن إذا ما رفضن خلعه.

وفي العام نفسه، التحقت 12 من الفتيات الإيرانيات بجامعة طهران، ليكون أول دخول نسائي إلى الجامعة، ومع ذلك لا يمكن القول بأن «بهلوي» اعتقد في تمكين النساء حقًا، أو أنه اَمن بكونه أحد أعمدة النظام الحداثي الذي يتطلع إلى إقامته، وبالتالي، لم تعرف النساء خلال عهده، تقدمًا لافتًا على صعيد الحقوق الشخصية والعامة. علاوة على ذلك، فقد أقدم على غلق عدد من المنظمات النسائية، قبل فترة قصيرة من إجباره على التنحي، خوفًا من أن تكون هذه المنظمات تلعب دورًا لإسقاطه.

الشاه «محمد رضا بهلوي»

أُجبِرَ «رضا بهلوي» على التنحي، بعد غزو بريطاني- سوفياتي لإيران، بسبب موقفه الداعم للزعيم النازي «هتلر » إيان الحرب العالمية الثانية، وعلى إثره، تسلم ابنه الحكم من بعده في العام 1941، ليبدأ عهد، نالت خلاله النساء حقوقًا، صحيح أنها لم تكن الأكثر تقدمًا في المنطقة، لكنها أعطت أملًا في مزيد من المكتسبات ستأتي، خاصة في ظل فتح المجال أمام التكتلات النسوية.

بعد وصول «محمد رضا بهلوي» إلى حكم، عادت المنظمات النسائية التي أغلقها والده، إلى العمل، ومن أبرزها؛ مؤسسة النساء الإيرانيات، الحزب النسائي في إيران، ومؤسسة النساء الديمقراطيات، والاتحاد النسائي الإيراني، وقد ركز جميعها على قضايا، تعليم المرأة، وتعديل القوانين الاجتماعية، والتمكين السياسي.

أضحى تعليم نساء الطبقتين المتوسطة والفقيرة، مألوفًا في ظل تعديلات القوانين التي أجريت وكثافة نشاط المنظمات النسائية، وبحسب الأكاديمية الإيرانية «هيدا موغيسي»، فإن نسبة التعليم بين النساء الإيرانيات ارتفعت من 8 في المئة في العام 1957 إلى 35 في العام 1977.

كما سمحت تعديلات قانون حماية الأسرة، للنساء برفع دعاوى الطلاق، بعد أن كان ذلك ممنوعًا عليهن، ورفعت سن الزواج للجنسين، وفرضت تضييقًا على تعدد الزوجات، بما يمنع زواج الرجل بامرأة أخرى، إلا بعد موافقة الزوجة الأولى، كما نالت النساء حق الترشح والتصويت، ودخلت 6 نساء إلى البرلمان في العام 1963، 4 منهن عبر الاقتراع المباشر، و2 بتعيين مباشر من  الشاه.

في مقابل هذا الإزدهار، شُلّت الحياة السياسية، وتفاقم الفساد، واستخدم الشاه القمع والتعذيب في مواجهة معارضيه، فانخرطت النساء في الحركات المناوءة للنظام، والرامية إلى اسقاطه، التي تطورت فيما بعد لتصبح ثورةً شعبية، شاركت فيها مختلف التيارات السياسية، وتقدمت النساء الصفوف، كما تشير العديد من المصادر التاريخية إلى أن قطاعًا من النساء كان يشارك في  المظاهرات مرتديًا الشادور، احتجاجًا على منع ارتدائه حينذاك، وذلك على الرغم من أن «محمد رضا بهلوي»، ألغى قانون حظر ارتداء الحجاب الذي أصدره والده، وربما يعود ذلك إلى أن توجه السلطة الحاكمة، ظل رافضًا لفكرة الحجاب، حتى بعد إلغائها للقانون.

عندما ارتدت النساء الشادور، كان هدفهن هو دعم حرية الاختيار، ولم يرد إلى خاطرهن أنه سيتحول إلى فرض على الجميع، وأن ما عانته النساء اللاتي ارتدته، في عهد الشاه  «رضا بهلوي»، ستعانيه النساء اللاتي يرفضن ارتدائه،، في عهد «الخميني».

بعد الثورة الإسلامية: المرشد الأعلى والمرأة

المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، أو قائد الثورة الإسلامية، أو الولي الفقيه، هو رأس النظام السياسي للدولة الإيرانية، بعد ثورة 1979، وقد عرفت إيران مرشدين، هما؛ «روح الله الخميني»، وهو أول قائد للثورة في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي أسسها بعد إطاحته بنظام الشاه، والمرشد الثاني هو «علي خامنئي»، وهو القائد الثاني للثورة الإسلامية، بعد رحيل «الخميني» في العام 1989.

بعد نجاح الثورة، وإحكام «الخميني» قبضته على الدولة، خسرت النساء أغلب مكتسباتها، واستند المرشد الأعلى حينها إلى أن الشريعة الإسلامية، هي المعايير في سن القوانين ووضع الإطار للحياة الاجتماعية. كانت نظرته للنساء رجعية ومعادية، مما أدى إلى تجميد قانون الأسرة ومن ثم إلغاء العمل به، وفقدت النساء حق إقامة دعاوى الطلاق، وخُفِّضَ سن الزواج إلى 9 سنوات، واستبعدت النساء من المناصب القضائية، بحجة أنهن عاطفيات، ولن يملكن حيادية في إصدار الأحكام، وفرضت السلطة الفصل بين الجنسين في المدارس والجامعات وأماكن العمل، والمواصلات العامة.

في مايو من العام 1979، صدر قرار رسمي يقضي بفرض الحجاب على النساء، وأصبحت عقوبة خلعه الجلد، على الرغم من المقاومة الكبيرة والواسعة للنساء، التي توثقها مشاهد المظاهرات التي عمّت إيران، في أعقاب الإعلان عن القرار، فضلًا عن ذلك، أقيلت العديد من النساء من وظائفهن لا لسبب سوى جنسهن، وأصبح الخطاب الموجه لهن، يحض على العودة إلى البيوت، وممارسة دور ربة المنزل، وخدمة الأزواج والأبناء، ولم يعد من حق النساء استخراج جواز السفر، إلا بعد الحصول على إذن الزوج.

ونصت المادة 102 من قانون العقوبات الإيراني على عقوبة الرجم عقابًا لجريمة الزنا «يُرجَم الرجل المتزوج، المرتكب لجريمة الزنا، على أن يغمر جسمه حتى الخصر، وتُرجم المرأة المتزوجة، المرتكبة لجريمة الزنا،على أن يُغمر جسمها في الحفرة حتى الصدر»، ونصت المادة 104، على وجوب ألا تكون الحجارة المستخدمة كبيرة بما يكفي لقتل الشخص بضربة أو ضربتين، كما ينبغي ألا تكون صغيرة بحيث لا يمكن وصفها بأنها حجارة.

وتأتي المادة 103، لتفرق في العقوبة بين الزاني والزانية، فيصبح بإمكان الرجل أن يهرب فيُعفَى من العقوبة، أما إذا هربت المرأة – وهذا مستحيل لأنها مغمورة في الأرض حتى الصدر وليس الخصر- لا تعفى من العقوبة بل تشدد لتصبح الإعدام رميًا بالرصاص، أي أن القانون يقر الموت الحتمي للمرأة، بينما يعطي الرجل فرصة أخرى.

أيضــــــــــــًا.. «رجــم ثــريـا»: نساء بلا صوت.. ودماؤهن تُراق لتعزيز الهيمنة الذكورية بغطاء الدين

من ناحية أخرى، أغلق «الخميني» المنظمات النسائية، فيما عدا تلك التي دعمت أجندته الإسلامية المتشددة، وتعرض عدد كبير من الناشطات النسويات للاعتقال.

في عهد خامنئي، تغيرت الأمور قليلًا، وعلى الرغم من أنه وسّع من سلطاته السياسية، لكن أوضاع النساء شهدت انفتاحًا طفيفًا، وأطلقت الحكومة برامج لدعم تعليم النساء، خاصة الريفيات، وهو ما جعل نسبة تسجيل الفتيات في الجامعات تصل إلى 57 في المئة، بعد أن كانت 25 في المئة قبل ثورة 1979.

كما جرى تعديل المادة 1133، من القانون المدني، التي كانت تتيح للرجل تطليق زوجته في أي وقت، ليقتصر الطلاق على قرار المحكمة، وفي العام 1992، جرى تعديل الدستور، ليسمح بتعيين النساء صاحبات الكفاءة كقاضيات، بالإضافة لذلك فقد عُدِّلت بعض بنود قانون الأسرة، لصالح المرأة، في ما يخص الحضانة ، بينما استمر الشادور زيًا إلزاميًا، لكن بعد تخفيض العقوبة، من الجلد إلى الحبس والغرامة المالية.

تصريحات خامنئي: البيت أولى بهن

في تصريحات سابقة له، قال «علي خامنئي» المرشد الأعلى في إيران، إن علماء الغرب الذين يتابعون اليوم بعض القضايا، كالمساواة بين الجنسين، نادمون لفعلتهم هذه، بسبب السلبيات الناجمة عنها، مؤكدًا أن دور المرأة الأهم في البيت، كزوجة وأم وربة منزل.

في العام 2016، أفتى «خامنئي» بمنع ركوب المرأة للدراجات الهوائية، قائلا إنه «غير جائز شرعًا في الأماكن العامة » ، قائلًا إن ركوب المرأة للدراجة، يجذب انتباه الرجال ويسبب الفتنة، وهو ما أثار حفيظة عدد من النساء الإيرانيات، اللاتي أطلقن وسم، نساء ايرانيات يحببن قيادة الدراجات #IranianWomenLoveCycling، ردًا على الفتوى التي وصفوها بالرجعية.

قبل ذلك بسنة تقريبًا، أطلق مجموعة من الشباب، حملة «ثلاثاء بلا سيارات » لتشجيع الإيرانيين على ترك سياراتهم والتنقل بالدراجة لخفض نسبة التلوث. ولاقت الحملة انتشارًا واسعًا، وبدأت السلطات المحلية في التشجيع على ركوب الدراجات في جميع أنحاء البلاد، لكن عندما استخدمت النساء دراجاتهن استجابة للحملة، اعتقلتهن الشرطة، على الرغم من عدم وجود قانون يمنع النساء صراحة من ركوب الدراجات.

قائمة الممنوعات في حياة المرأة الإيرانية

تواجه المرأة الإيرانية استبداد السلطات الإيرانية وقمعها من كل الاتجاهات، منذ أن قامت الثورة الإسلامية، فعلاوة على فرض الحجاب الإلزامي، الذي تحاول النساء حاليًا التحايل عليه، بكشف جزء من الشعر، أو ارتداء الألوان الزاهية، وهو ما لا يمر بسلام في كثير من الأحيان، نظرًا لتعقب الشرطة لهن في الشوارع، فقد أغلقت الجامعات الباب في وجه النساء اللاتي يطمحن إلى الدراسة في 70 تخصصًا علميًا، في مجالات، الهندسة، وعلوم الكمبيوتر والفيزياء النووية، والأدب الإنجليزي وغيره، وذلك بحسب تقرير نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز. ووصفت المحامية الإيرانية «شيرين عبادي» الحائزة على جائزة نوبل للسلام، حالة الحظر هذه، بأنها مبادرة من السلطة، تهدف إلى تقييد قدرة النساء على التعلم ومنعهن من أن ينشطن في المجتمع، بغية إعادتهن إلى المنزل.

وبموجب قانون صدر في أعقاب الثورة، أضحى الغناء الفردي للمغنيات أمام  الرجال ممنوعًا، لاعتقاد السلطة الإيرانية أن صوت المرأة عورة ومصدر غواية، كما مُنِعَت الإيرانيات أيضًا من حضور الفعاليات الرياضية في الملاعب، وعلى الرغم من أن هذا المنع لم يعد يُطبق بنفس الصورة منذ العام 2014، وبات يسمح لهن بحضور بعض المنافسات بشرط الجلوس في منطقة خاصة في المدرجات، فإن ذلك أيضًا يتوقف على مزاج السلطات، وقد تحظر حضور النساء تمامًا في أي فعالية رياضية، مثلما فعلت في سبتمبر الماضي، في مباراة جمعت فريقي كرة القدم، الإيراني والسوري، ضمن التصفيات الآسيوية المؤهلة لمونديال العام 2018.