“عفة وطهارة” رد تلقائي ألقته “أم شيماء” على مسامعي، إحدى الأمهات التي كانت تنتظر في إحدى العيادات النسائية، للكشف عن حالتها، التي وصفتها بالبرود.

قالت لي “جوزي بيقولي، هيتجوز عليا عشان أنا باردة. قلت أجي للدكتورة تكتبلي على علاج”، وكان أول سؤال يخطر ببالي هو “أنتِ متختنة؟” فأجابتني: اَه، وده ايه علاقته باللي بقوله ده: عفة وطهارة”.

استمرت حالة الذهول تراودني، طوال حكيها لي عن زوجها. وعن الخلاف الدائم بينهما بسبب الفراش، وعن نزواته وخياناته المتعددة مع هذه وتلك، وعندما تثور يتهمها بأنها السبب، فهي امرأة باردة لا تشعر، ولا تبادله رغباته بالشكل الذي ينتظره، ومع استمرار اتهامه لها، أيقنت هي الأخرى بأنها “باردة” وبالفعل تحتاج إلى العلاج.

“أم شيماء” لم تكن السيدة الوحيدة التي استطردت في الحديث عن زوجها ونزواته وبرودها ومعاقبتها بالخيانة، بل امتد الحديث طوال فترة انتظاري لمتابعة الطبيبة. كن ولا يزلن يلقين باللوم على أنفسهن فجميعهن مختنات، صابرات على حالهن، بل والأدهى أن تلك الجريمة الشنعاء تخطتهن حتى أصابت بناتهن، غير مقتنعات إلا بــ”العفة والطهارة”.

لم ترفض هؤلاء النسوة تختين بناتهن، ولم تواجه واحدة منهن تلك الجريمة بل استسلمن لرغبة أزواجهن، وبالفعل كان القرار لهم وحدهم بكل ديكتاتورية “هنطاهرهم عشان نعفهم.. إحنا في زمن أسود”، كانت هذه الجملة التي استسلمت لها كل النساء المختنات الواصفات نفسهن بالباردات.

وعلى الرغم من قتل رغبتهن ظلمًا وعدوانًا إلا أنهن لم يمنعن استمرار النسل البارد، واستمرار إلقاء اللوم عليهن، ففي مخيلتهن لا يوجد رابط بين الختان والبرود أو انخفاض الرغبة، فأحاديثهن متناقضة. كيف يعفن بناتهن بالختان ليقتلوا رغبتهن، وفي الوقت نفسه، لم يجدن الختان سببًا لبرودهن مع أزواجهن؟ كان هذا السؤال هو السؤال الأخير الذي وجهته لهن قبل انصرافي ومقابلة الطبيبة، تركتهن ليجبن على أنفسهن، ولكن الإجابة كانت واضحة في أعينهن.

“اتفقوا على تشويهنا بحجة العفة.. ثم ينعتوننا بالبرود!”