من يتتبع اَثار أفلام الرسوم المتحركة أو الكارتون منذ أن صدر أول فيلم كارتون “Fantasmagorie” في العام 1908، على يد الفرنسي “إيميل كول” وحتى الاَن، يدرك حجم التطور الذي طرأ على هذه النوعية من المنتجات السينمائية، خاصة على الصعيد البصري، لكن الصورة ليست وحدها الشيء المثير للانتباه في أفلام التحريك، وإنما ما خلقته من حالة توازي في أهميتها ونجاحها الأفلام الروائية، بل وأكثر من ذلك، فإن ما تملكه هذه الفئة من الأفلام من تأثير قد يتفوق على ذلك الخاص بالأفلام الروائية الحية، وبالنظر إلى الارتباط الذي ينشأ في فترة الطفولة بين هذه الأفلام ومشاهديها، فإنه ليس ارتباطًا وقتيًا، وإنما يمتد إلى ما بعد هذه المرحلة، خاصة من خلال ما ترسخه هذه الأفلام من أفكار، يتشكل تأثيرها بشكل تراكمي.

عندما نتحدث عن أفلام الكارتون أو الرسوم المتحركة، لا بد أن نذكر شركة “والت ديزني”، وهي عملاق هذه الصناعة منذ أن بدأت عملها في العام 1928 وحتى الاَن، ويعود لها الفضل في إصدار أول فيلم كارتون طويل في العالم، في العام 1937، وجاء بعنوان “Snow White and the seven dwarfs ” – “بياض الثلج والأقزام السبعة”، وقد مثّل هذا الفيلم نقطة تحول في عالم الرسوم المتحركة.

هنا نعيد النظر إلى فيلم “سنووايت والأقزام السبعة”، ومعه فيلم “Cinderella”  – “سندريلا”، الذي صدر في العام 1950، ونحللهما من منظور نوعي، ويأتي اختيارهما، لما لهما من شهرة ذائعة في تاريخ أفلام الرسوم المتحركة، ولاشتراكهما في الكثير من التفاصيل، فضلًا عن أنهما صدرا في مرحلة مبكرة من عمل “ديزني”، عرفت باسم العهد الكلاسيكي.

الموجة النسوية الأولى.. بلا صدى على أفلام ديزني

خلال القرن التاسع عشر ومع بداية القرن العشرين، عرف المجتمع الأمريكي والأوروبي، ما سمي بالموجة النسوية الأولى، وإن كان النقد أو الجدل النسوي، قد بدأ مبكرًا عن ذلك الوقت. ركزت هذه الموجة على تحليل وتفكيك التسلسل الهرمي بين الجنسين، وعمدت إلى كشف زيف إدعاءات ترسخت كأفكار تروج لدونية النساء عن الرجال، من خلال تحليل ونقد الثقافة ومنتجاتها وبالأخص الأدبية منها.

ركزت الموجة الأولى، على انتزاع بعض الحقوق التي احتكرها الرجال لأنفسهم، وكان العمل في مقدمتها، والمشاركة السياسية مطلبًا رئيسًا، لكن ظلت هذه الموجة قاصرة في نظرتها على النساء ذوات البشرة البيضاء، وهذا لا ينفصل عن العنصرية المستشرية ضد أصحاب البشرة السوداء في ذلك الوقت، وسيادة خطابات الفوقية البيضاء. ما يهمنا هنا، هو مدى تأثير هذه الموجة، على المنتجات الفنية، وتحديدًا أفلام “ديزني”، التي نحلل فيلمين منها، صدرا إبان هذه الموجة.

وبناءً على ما سنكشفه في تحليلنا، فإنه من الواضح، أن أفلام “ديزني” لم تستجب لهذه الموجة بأي شكل، بل كانت إنتاجًا متصالحًا تمامًا مع الصور النمطية للنساء حينذاك. وسواء في فيلم “بياض الثلج والأقزام السبعة” أو “سندريلا”، فإن صورة الشخصية النسائية الرئيسة كانت في إطار الضعف والاستسلام والاستكانة، وانتظار الرجل الأبيض الوسيم الذي سيغير مجرى حياتها، ليقودها ويحركها وينتشلها من بيئة القهر التي قادتها الظروف لتعيش فيها، وفي المقابل، تظهر شخصية نسائية أو مجموعة من الشخصيات النسائية، تكن حقدًا دفينًا تجاه “أميرة ديزني”، وتكيد لها المكائد وتحيك المؤامرات، إما غيرةً من جمالها أو للظفر بـ”أمير ديزني”.

أول أميرة لـ”ديزني” وأول فيلم رسوم متحركة طويل

“سنووايت والأقزام السبعة” هو أول فيلم رسوم متحركة روائي طويل في العالم، وبالتالي فإن “سنووايت” هي أول أميرة من أميرات ديزني، وقد عُرِضَ لأول مرة في 21 ديسمبر من العام 1937، بميزانية تزيد عن 1.48 مليون دولار، وقد حقق نجاحًا كبيرًا حينها، إذ بلغت إيراداته نحو 8 مليون دولار. الفيلم مستوحى من قصة الأخوين “جريم” التي ظهرت في العام 1812، لكن بعد إجراء بعض التعديلات لتصب في صالح النهاية انتصار الخير على الشر، والزواج السعيد. ويجسد الفيلم حربًا تشنها امرأة يغمرها الشر والحقد تجاه امرأة أخرى، تتسم بالوداعة والضعف والرضوخ للأمر الواقع بكل ما فيه من ظلم وقهر.

الفيلم من بطولة “أدريانا كاسيلوني” التي أدت صوت بياض الثلج – سنووايت، و”لوسيل لافرني”، التي أدت صوت الملكة الشريرة، بينما أدى “هاري ستوكويل” صورة الأمير، وقد اشترك في إخراج الفيلم ستة مخرجين، وهم؛ “ديفيد هاند”، و”يليام كوتريل”، و”يلفريد جاكسون”، و”لاري موري”، و”برس بيرس”، و”بن شاربستين”، وقد حصدت شركة “والت ديزني” في العام 1939، جائزة أوسكار شرفية عن الفيلم، احتفاءً بكونه أول فيلم تحريك طويل، وكانت مختلفة عن جوائز أوسكار المعروفة، فقد كانت تمثال الأوسكار التقليدي وبصحبته سبعة تماثيل أخرى صغيرة، كناية عن شخصيات الفيلم، كما رُشِّح الفيلم لجائزة الأوسكار لأفضل موسيقى. وقد فتح نجاح الفيلم الباب أمام محاولات لتقديم نسخ أخرى، سواء من خلال أفلام تحريك أو أخرى روائية حية، لكن لم تحقق ما حققه الفيلم الأصلي من نجاح، ولم تترك أثرًا يذكر.

حكاية من التراث الأوروبي الشعبي

“بياض الثلج أو سنووايت والأقزام السبعة” هي واحدة من القصص الأكثر شهرة في العالم , ظهرت لأول مرة في العام 1812, عندما نشرها الأخوان الألمانيان “جريم”، ضمن القصص التي قاما بجمعها من القصص الشعبية الأوروبية القديمة في فترة العصور الوسطى في كتاب حمل عنوان “قصص الأطفال والمنازل”، وظلت على مر العصور تتناقل هذه القصة شفاهيةً، باعتبارها مجرد حكاية خيالية إلى أن ظهرت بعض الدراسات التي تزعم أن القصة حقيقية وأن شخصية “سنووايت” هي ابنة أحد ملوك ألمانيا في القرن الثامن عشر، وفي كل الأحوال، فإن الفيلم لم يلتزم بالحكاية الشعبية، وغير فيها لتتلائم مع رسالة الفيلم، المتمثلة في انتصار الخير على الشر في نهاية المطاف.

الرسالة الأولى: المرأة لا بد أن تكون جميلة “شكلًا”

على الرغم من أنها أميرة وابنة الملك، فقد صور الفيلم “سنوو وايت” أو “بياض الثلج” بالفتاة المغلوبة على أمرها، تعيش تحت سيطرة الملكة، زوجة أبيها بعد وفاتها، التي يتبين حجم الضغينة الذي تحمله تجاه “سنووايت”، لا لشيء سوى غيرةً من جمالها.

الجمال الشكلي هو محرك الأحداث، فالملكة تريد الخلاص من “سنووايت” بسبب تفوقها عليها في الجمال، والأمير يحبها بسبب جمالها، والأقزام السبعة يؤسرهم جمالها، بل إن هذا الجمال يصبح سببًا في امتناعهم عن دفنها تحت الثرى بعد موتها المؤقت، وصناعتهم لتابوت من الذهب الخالص والبلور، يتناوبون على حراسته.

https://youtu.be/Srf3OdUmtvw?list=PL-ge3vwIr-IGZlxCUNWt8Tm0mIgc4RhPF

الرسالة الثانية: الجمال له معايير.. بشرة بيضاء وجسم ممشوق

يُصدّر الفيلم معاييرًا محددة عن الجمال، وهي التي أرستها “ديزني” في الأعم الأغلب من أفلامها، عن الفتاة ذات البشرة البيضاء، التي تملك قوامًا ممشوقًا وخصرًا نحيلًا. وكانت “سنووايت” باكورة أميرات “ديزني”، اللاتي صدرن هذه الصورة عن جمال الأنثى، ليصبح الخروج عن هذه المقاييس، نقصًا في الفتاة.

الرسالة الثالثة: الخنوع جزء من الجمال

تنصاع “سنووايت” لأوامر الملكة دون مقاومة، وتهادن الظلم الواقع عليها، وتتقبل تمامًا ودون ذرة غضب أو تمرد البقاء في خدمة الملكة في القصر، وعندما تجد نفسها مرغمة على الهروب بعد محاولة قتلها على يد أحد الصيادين بإيعاذ من الملكة، تفعل ذلك دون أن تفكر في أي رد فعل تجاه ما اقترفته هذه الملكة، بل إنها تتكيف مع وجودها كربة منزل في بيت الأقزام السبعة، وكأن شيئًا لم يحدث.

الرسالة الرابعة: الرجل هو المنقذ

على الرغم من أن شخصية “سنووايت” هي الشخصية الرئيسة في الفيلم، فإنها مفعول به طوال الوقت، هي حتى لا تحاول أن تغير شيئًا في حياتها، فهي مستسلمة لبطش الملكة، تكتفي بالغناء، لترجو الظروف وتتوسل إلى الأقدار، أن يأتي لها بأمير ينقذها مما هي فيه، وعندما تلتقيه وتقع في حبه، يصبح لقاؤه مجددًا حلمها الوحيد، الذي تدعو أن يتحقق ليلًا نهارًا، حتى يأخذها معه على جواده الأبيض إلى عالم اَخر غير الذي تعيش فيه.

“سنووايت” لا تعبأ بما تفعله الملكة بها، وليس في حسبانها مجابهة الشر المتجسد في هذه الشخصية، حتى عندما تخدعها الملكة – متخفية في صورة سيدة عجوز- لتقنعها بأن تأكل التفاحة المسمومة، وتخبرها أن هذه التفاحة ستحقق أمنيتها، فتتمنى “سنووايت” الأمنية نفسها قبل أن تقضمها، بينما كان بإمكانها مثلًا أن تتمنى الخلاص من شرور الملكة، التي يكرهها كثيرون بحسب ما كشفه كلام أحد الأقزام السبعة في مشهد اللقاء الأول مع “سنووايت”، وكانت ستظل شخصية خيرة كما أراد صناع الفيلم تقديمها، أو أن تتمنى العودة إلى القصر أميرةً، وهناك بسهولة كان سيجدها الأمير الذي التقاها هناك، لكن الفيلم جعل الجانب الأكبر من كلام “سنووايت” عن حلم وحيد وهو مجيء الأمير إليها وانتشالها من عالمها.

العهد الكلاسيكي: السذاجة سمة الأميرات

هذه الصورة سيطرت على أفلام “ديزني” بالتحديد خلال ما سمي بالعهد الكلاسيكي للشركة الأكبر في إنتاج أفلام الرسوم المتحركة، وقد حوّلت هذه الأفلام سواء عن عمد أو غير ذلك، أميراتها من شخصيات خيّرة ووديعة إلى شخصيات منقادة وساذجة، لا تحرك شيئًا في حياتها، بل تنتظر القدر الذي سيتحول لصالحها بالقطع والرجل الذي سينقذها من الشر المحدق بها، وسينتقل بها إلى حياة سعيدة طالما حلمت بها.

المرأة والأعمال المنزلية

لم يخرج نشاط “سنووايت” أو “بياض الثلج” خلال الفيلم، عن الأعمال المنزلية والنوم، فكل ما تفعله خلال يومها هو التنظيف، وترتيب المنزل، ومسح الدرج، وإعداد الطعام، ويرسخ الفيلم إلى أن هذا هو الدور الطبيعي للمرأة، من خلال المشاهد التي ظهرت فيها، تنظف طواعيةً بيت الأقزام، عندما جاءت إليه لأول المرة ووجدته في حالة مزرية، وعندما خرجوا إلى العمل، بينما هي في المنزل، تَعُد لهم الحلوى.

https://youtu.be/I-7Gb4U3pCY?list=PL-ge3vwIr-IGZlxCUNWt8Tm0mIgc4RhPF

أغاني الفيلم.. حلم بالفارس الذي يمتطي جواده الأبيض

أغنية “I’m wishing” – “أنا أتمنى”، هي أول أغاني الفيلم، الذي غلب عليه الطابع الغنائي، وتعكس كلماتها أمل “سنووايت” في أن تجد رجلًا يحبها ويغير مسار حياتها، لتنتهي الأغنية بلقائها مع الأمير لأول مرة، لتبدأ قصة الحب بينهما، مؤسسةً على انجذاب شكلي بين الاثنين، فهو الفارس الوسيم، وهي الأميرة البيضاء صاحبة الوجه الصبوح، والجسم الممشوق، التي تملك صوتًا عذبًا.

في السياق ذاته، تأتي أغنية “Someday my prince will come” أو “يومًا ما سيأتي أميري”، التي تعكس كلماتها تطلع “سنووايت” إلى لقاء الأمير مجددًا، وحلمها بزواجهما، بعد أن يأتي إليها ليأخذها بعيدًا إلى قلعته، ويعيشا سويًا قصة حب أبدية.

https://youtu.be/yIPFQVhQnWs?list=PL-ge3vwIr-IGZlxCUNWt8Tm0mIgc4RhPF

النهاية التي تفضلها “ديزني”

نهاية الفيلم، هي النهاية نفسها في أغلب أفلام “ديزني” التي صدرت بعده؛ فيها تموت الشخصية الشريرة، وينقذ الأمير أميرته، وبمشهد العرس أو بدونه، يعلم الجميع أنهما سيتزوجا وسيعيشا حياة هادئة وسعيدة، في محاولة لترسيخ فكرة مفادها أن سعادة الفتاة ومبتغاها الأكبر هو ذلك المشهد الذي تجتمع فيه مع الحبيب الذي سيصبح زوجًا.

سندريلا: نفس القصة تقريبًا لكن التأثير أضخم وأعمق

الفيلم الثاني الذي نتناوله في تقريرنا، هو فيلم “Cinderella”- “سندريلا”، وتتشابه قصته  إلى حد كبير مع “سنووايت والأقزام السبعة”، إلا أن نجاحه كان أكبر بكثير من نجاح الأول، مما جعله أشهر أفلام “ديزني” خلال مسيرتها الممتدة لنحو 94 سنةً، وقد استوحى صناع الفيلم قصته من إحدى القصص الشعبية الأوروبية كذلك، وهي أيضًا إحدى الحكايات التي جمعها الأخوان “جريم”. “سندريلا” هو الفيلم الثاني عشر في قائمة أفلام الرسوم المتحركة، التي أنتجتها شركة “ديزني”، وقد أنتجته في العام 1950، وعُرِض لأول مرة في 15 فبراير من العام نفسه، وبلغت تكلفته نحو 2.9 مليون دولار وقد حقق نجاحًا كبيرًا عند عرضه إذ حصد نحو 10 ملايين دولار في شباك التذاكر، واستثمارًا للنجاح أعادت “ديزني” عرض الفيلم بدور العرض في الأعوام، 1957، 1965، 1973، 1981، 1987. هذه الأفضلية والدعم المستمر، هما ما يقف وراء الشهرة الكبيرة لـ”سندريلا”، وتحوله إلى أيقونة أفلام “ديزني”.

أما على صعيد الجوائز، فقد فاز الفيلم بجائزة الدب الذهبي بمهرجان “برلين السينمائي الدولي” في العام 1951، وترشح لجائزة “أوسكار” أفضل موسيقى أصلية وأفضل صوت سينمائي في العام نفسه.

الفيلم من بطولة “إلين وودز”، التي أدت دور “سندريلا”، و”مايك دوجلاس” مؤديًا لصوت الأمير، بينما أدت صوت زوجة الأب “لينور أودلي”، واشترك في إخراج الفيلم، ثلاثة مخرجين هم، “كلايد جيرونيمي”، و”هاميلتون لوسك”، و”يلفرد جاكسون”.

حكاية شعبية أوروبية: رمز الخير دائمًا مقهور وينتظر من يرفع الظلم عنه

مثلما استوحت “ديزني” فيلمها “سنووايت والأقزام السبعة” من إحدى الحكايات الشعبية التي جمعها الأخوان الألمانيان “جريم”، فعلت ذلك مع “سندريلا”، فالأخيرة هي إحدى القصص الواردة في مجلدهما، ولا تختلف كثيرًا عن قصة “سنووايت”، إذ تدور القصة حول “سندريلا”، التي تعيش بعد وفاة والدها مع زوجة أبيها وبناتها، الذين يسيئون معاملتها، ينهرونها طوال الوقت، ويجبرونها على خدمتهن، وكما كان الجمال الشكلي في “سنووايت”، سببًا في الكراهية وتسلط طرف على الاَخر، الأمر نفسه يحدث مع “سندريلا”، فزوجة الأب وبناتها يضمرون الكراهية لها، بسبب جمالها.

نمط شخصية “سندريلا” هو نفسه الخاص بـ”سنووايت”، فكلاهما يذعن لأوامر زوجة الأب، ويتقبل برضوخ الإذلال الذي يتعرض له، دون أي تجرؤ على الاعتراض أو ابداء الامتعاض تجاه ذلك،  وكأن الخير يعادل الاستكانة.

وعلى نفس النهج الذي سار عليه “سنووايت”، استخدم الفيلم نفس السمات في الشخصية التي ترمز إلى الشر، وهي زوجة الأب، كالصوت العالي، والمكر، والسادية، وحتى في الشكل الخارجي، في شكل الجسد والملامح، وتحديدًا العيون والحاجبين المرفوعين.

يتصارعن للوقوف في طابور العرض أمام الأمير

تأتي دعوة من القصر الملكي إلى البيت، لحضور حفل ينظمه الملك على شرف ابنه الأمير حتى يختار عروسًا، وبمجرد أن تقرأ زوجة الأب الدعوة التي تنص على وجوب حضور كل فتاة “مناسبة” إلى الحفل – القصد بهذه الكلمة، هو كل فتاة “جميلة” شكلًا -، فتغمر الفتاتين الفرحة ويدب الأمل في قلب “سندريلا”، وكأن حلم كل هؤلاء الأكبر، هو أن يراهن الأمير ويرقص معهن ويختار إحداهن لتكون زوجه، وعندما تصطدم “سندريلا” بمحاولاتهن لتنحيتها عن المشهد،  تصر على الذهاب، ولأول مرة ترد على زوجة أبيها بتحدٍ، مصرّة على حقها في حضور الحفل كأحد أفراد الأسرة.

الهدف الرئيس لـ”سندريلا” في الفيلم، هو حضور الحفل ولقاء الأمير، الذي تأمل أن يكون مخلصًا لها، بينما هدف النساء الأخريات، هو سجنها داخل المنزل، وإبعادها عن العيون خوفًا من جمالها، الذي قد يجذب الأمير إليها، ليصبح الصراع الرئيس في الفيلم، هو صراع بين نساء، دافعه هو الغيرة بسبب  الجمال الخارجي بالدرجة الأولى، الذي اختزلته “ديزني”، في شعر أصفر اللون وعيون زرقاء وخصر نحيل وصوت حنون وعذب وبالطبع بشرة بيضاء.

بالإضافة إلى هذه الأفكار النمطية، أكد الفيلم أن الرجل يقع في حب المرأة بسبب الجمال والمظهر الخارجي، وهو ما سبق وفعله “سنووايت” أيضًا، فما أن تظهر “سندريلا” في الحفل بفستانها الأسطوري -الذي منحتها الجنية إياه- يترك الأمير كل الحاضرين بالحفل ويتوجه إليها، ليقضي الليلة بالكامل يرقص معها.

امرأة مُستَلبة الإرادة على طول الخط

ولأن “سندريلا” طوال الوقت مفعول به مثل “سنووايت”، فكل شيء يحركه المحيطون بها، بينما تظل هي مستقبلًا، تنتظر أن تمنحها الدنيا الخطوة التالية دون أن تسعى إليها، فعندما تُحمّلها زوجة الأب وابنتيها بالأعباء، حتى يمنعونها من إعداد فستان، حتى ترتديه في الحفل، تخضع للأوامر وتنفذها، بينما يأتي الحل من الحيوانات الأليفة، التي تصادقها، وتخيط لها الفستان، مساعدةً لها حتى تذهب إلى الحفل وتلتقي الأمير.

في مشهد لاحق، تظهر “سندريلا”، وقد ارتدت الفستان لترافقهن إلى الحفل، لكن سرعان ما تظهر على وجوههن إمارات الغيرة من مظهرها وفستانها، فتمزق الشقيقتان فستانها، لتبقى وحيدة في المنزل، فتنزوي بعيدة في الظلام، مغلوبة على أمرها، ليأتي الحل مجددًا على يد الجنية، التي تمنحها فستانًا وعربة لتنقلها إلى الحفل، في واحد من أشهر المشاهد في تاريخ السينما.

أشهر أغاني الفيلم، هي  A Dream Is a Wish Your Heart Makes أو “حلمك هو أمنية يصنعها قلبك”، تعبر “سندريلا” فيها عن استسلامها الكامل للواقع، وهروبها منه بالحلم، الذي تعتقد أنه سيتحقق يومًا ما، وهنا أيضًا تشترك “سندريلا” و”سنووايت”، في تفضيل الهروب إلى الحلم على المقاومة.

كلاكيت ثاني مرة: النهاية المفضلة لـ”ديزني”

ينتهي الفيلم النهاية التقليدية والمعتادة، في الغالبية العظمى من أفلام “ديزني”، التي أصبحت بمرور الوقت نهجًا لـلشركة، وهي العرس والزواج، والحياة السعيدة، التي تجمع الحبيبين، وفي قلب هذه النهاية، نهاية أخرى لحياة الذل والمهانة التي عاشتها “سندريلا” وسط الأشرار، بفضل ذلك الرجل الذي امتدت يده إليها لينقذها، وينتقل بها إلى الحياة الهانئة، التي تخبرنا بها اَخر جملة نراها مكتوبةً على الشاشة: And they lived happily ever after أو “وقد عاشا سعيدين منذ ذلك الحين”

https://www.youtube.com/watch?v=lUQUQ0RG444

“سنووايت” و”سندريلا” هما وجهان لعملة واحدة، ونسخة مكررة اعتمدتها “ديزني” نموذجًا لأميراتها الأوليات، فهل غيّرت الشركة الأكبر في إنتاج أفلام التحريك، هذه الصورة في المراحل اللاحقة؟ هذا ما نتعرف إليه في حلقاتنا المقبلة، ضمن سلسلتنا: ديزني وما فعلته أميراته بنا.