خرجت ” سهى” من عملها الموجود بالمهندسين، حيث الزحام طوال النهار والليل، وما أكثره وقت الظهيرة عند خروج الموطفين وطلاب المدارس، وفى هذا اليوم اصطدمت بعدد من طلاب الثانوية الذين تتبعونها بوابل من التحرشات اللفظية بداية من البسبسة وحتى جمل مثل “الحلو مستنى حد ومجاش ولا ايه” “ما تيجى نوصلك احنا يا عسل” و جمل أخرى كلها على نفس الشاكلة، فتقدمت بعيدًا عنهم تبحث عن تاكسي حتى تتخلص من ملاحقتهم السخيفة، بينما تعمدوا الاستمرار فى ملاحقتها وهم يتبادلون الضحكات كلما لاحظوا إسراعها هربًا منهم، حتى وجدت سيارة تاكسي مقبلة عليها فأوقفتها وركبت وهكذا اعتبرت أن معاناة هذا اليوم مع التحرش قد اَن لها أن تنتهى بعد أن لم يتبق لها سوى العودة للمنزل فى هذا التاكسي.
ما اعتقدته “سهى” لم يكن فى محله، لأن ركوبها التاكسي لا يعنى أنها تخلصت من التحرش، حتى لو كان السائق يحاول عبر تاكسيه أن يظهر أنه شخص ملتزم محترم، سواء من خلال ورقة مدون عليها “ممنوع التدخين” معلقة على الزجاج الأمامى، والمصحف الكبير على تابلوه السيارة، حتى حينما حاولت فتاتان أن توقفاه رفض على الرغم من أن المكان الذى تريدان الوصول إليه فى طريق “سهى”، وأخبرها أنه فعل ذلك من باب احترام رغبة وقلق الراكب خاصة لو كانت فتاة وأنه ملزم كما ركبت معه وحدها أن تصل وحدها للمكان الذى حددته.
عندها قررت الفتاة أن تعطيه أجرة أكثر مما سيحدده العداد، طنًا منها بأن “الراجل صاحب مبادئ ومحترم”، وعندما وصلت إلى مقصدها، وتوقف السائق حاولت فتح الباب إلا أنها لم تفلح، عندها سارع بالقول “هفتحولك أنا أصله بيعلق”، المساعدة التى قام بها كانت مدخلًا للتحرش بها جسديًا فقد حاول أن يستغل الموقف لفتح الباب المجاور لها، ليتحسس جسدها بذراعه مرة ويده مرة أخرى، على الرغم من إدراك الفتاة أن ما يجرى هو تحرش وشعورها البالغ بالخوف إلا أنها اَثرت السكوت، فى الغالب لخوف أكبر مما قد ينتج عن صراخه فى الشارع، أو لصدمة لا يدركها سواها، وبمجرد أن سمعت صوت شئ ما فى الباب قد فُتِح، سارعت بالضغط على الباب إلى الخارج حتى تنهى هذه اللحظات المخيفة ونزلت مسرعة لم تلتفت للوراء حتى لا تُطبَع بذاكرتها نظرة منتصر على واحدة مكبلة اللسان والأيدى.
“سهى” لم تصدر عنها أى ردة فعل سوى دموع تساقطت وسط ارتجافات حاولت أن تخفيها كما تفعل أخريات كثيرات حتى يستطعن المقاومة مع كل يوم جديد تشرق فيه شمس ويلاحقهن فيه تحرش جديد.
للمرأة حق فى حياة اَمنة