ماري زيادة أو (مى زيادة) كما عرفها العالم العربي واختارت هى أن تُسمَى، هى الكاتبة اللبنانية التى تركت اَثرًا بالغ العمق فى الأدب العربي.
ولدت “مى زيادة” بمدينة الناصرة بفلسطين عام 1886 لأب لبناني وأم سورية الأصل فلسطينية المولد، كانت عاشقة للموسيقى منذ الطفولة فأتقنت عزف البيانو.
عاشت فى الناصرة حتى الثالثة عشرة من عمرها ثم انتقلت إلى لبنان ودخلت مدرسة الراهبات و اكملت دراستها الثانوية هناك حتى جاء عام 1907 عندما انتقلت إلى قاهرة المعز لتبدأ شوطًا اَخرًا فى حياتها هو الذى غير حياتها كليًا وانطلقت منه شخصية “مى زيادة” التى عرفها العالم العربي.

149227

هدى شعراوى ..فتحت نوافذ التحرر بعقلها
واجهت ” مى “بعض المصاعب فى بداية حياتها فى القاهرة نظرًا لاختلاف الأجواء فى مصر عنها فى لبنان ، خاصة أن وقت إنتقالها للقاهرة كانت بذور تحرير المرأة بدأت تنبت، لكن مع دخولها الجامعة ولقائها “هدى شعراوي”، تفتق ذهنها لعالم جديد تعرفت من خلاله على جوانب أخرى فى الحياة ومنه بدأت تتشكل ذهنيتها المستنيرة، بعد أن تأثرت برائدة الحركة النسوية وعملت معها على تحرير المرأة العربية من الجهل والاستبداد.

أثرت معرفة “مى ” بقادة الحركة النّسائيّة، مثل هدى شعراوي وملك حفني ناصف وغيرهما من خلال دراستها في الجامعة المصريّة، حيث انخرطت في هذه الدّعوة حتّى النّخاع.

ويذكر أن بداية صداقتها بـ”ملك حفنى ناصف”، كانت من خلال رسائل متبادلة فى الصحف، وفى لقائهما الأول عام 1915، ناقشا القضايا الأكثر حضورًا على الساحة النسائية اَئذٍ؛ التعليم، الحجاب والسفور.
إلى جانب ذلك، ساهم فى تكوين شخصها دراستها لتاريخ الفلسفة والأدب العربى بالتوازى مع عملها بتدريس اللغتين الفرنسية والإنجليزية فى القاهرة.

ندوة”الثلاثاء”..

تميزت “مى” بحبها للشعر والترجمة والنقد فكانت ظاهرة مختلفة ، لم تكتف بنوع واحد من الأدب بل تعددت مواهبها وفى هذه الفترة كانت الصالونات الثقافية سبباً من أسباب شهرة العديد من الأدباء ولذلك أسست صالونها الأدبى عام 1913 فى شارع عدلى حتى يكون مجاوراً لمنزلها وعقدت ندوة أسبوعية عرفت باسم “ندوة الثلاثاء” ثم انتقلت هذه الندوة فى عام 1921 إلى إحدى عمارات جريدة الأهرام واستمرت “ندوة الثلاثاء” لعشرين عامًا، تجمع فيها صفوة شعراء وكتاب هذا العصر أمثال: أحمد لطفي السيد ومصطفى عبدالرازق وعباس العقاد وطه حسين ومصطفى صادق الرافعي وخليل مطران وأمير الشعراء أحمد شوقي.

حقق هذا الصالون نجاحًا كبيرًا و ساهم فى تألقها وتبلور أسلوبها الأدبي فى الكتب والقصائد الجديدة.

تجدر الإشارة إلى أن مصر وقتذاك، كانت تعيش جوًا من الصّراع بين القديم والحديث خرج منه التيّار المتطوّر الصّاعد غالبًا، فاصطبغت الحركة الفكريّة والاجتماعيّة بدعوات التّجديد الّتي كان من مشجّعيها معظم من عاشرتهم “مي” في صالونها مثل لطفى السيّد وسلامة موسى، طه حسين، وأنطون الجميّل.

وتقول “مى” عن تلك الفترة :”إلى أن انتهت الحرب الكبرى وقامت الحركة الوطنيّة المصريّة، هنا كانت يقظتي الأدبيّة الصّحيحة والخلق الجديد الّذي أمدّتني تلك الحركة بروحه.”

من أجمل قصص الحب العذرى ..قصة “مى وجبران”

161625898210332

عندما كانت فى ال 25 من عمرها، كتبت بالفرنسية وباسم مستعار “إيزيس كوبيا”، ديوانها الأول  “أزاهير حلم” عام 1911

هذا الديوان كان بمثابة الشرارة الأولى لاندلاع الحب بينها وبين “جبران خليل جبران”، عندما قررت أن تكتب له رسالة تعرفه فيها بنفسها وعلى ديوانها.

بعدها بدأ الحب بينهما واستمر لنحو 20 عاماً رغم أنهما لم يلتقيا أبداً ، وارتكز الحب على رسائل العشق التى كانا يتبادلاها لتكون قصتهما ضمن أسمى قصص الحب العذرى التى عرفها العرب.

يتبين من إحدى الرسائل أن “جبران” عرض عليها الزواج فى عام 1919 لكن “مى” لم تسجب لهذا العرض.

وقال فى رسالته تلك “فى هذه الدقيقة مرت بخاطري فكرة جليلة، جليلة جداً فاسمعى يا صغيرتي الحلوة:إذا تخاصمنا فى المستقبل (هذا إذا كان لابد من الخصام) يجب ألا نفترق مثلما كنا نفعل في الماضي بعد كل معركة. يجب أن نبقى، برغم الخصام، تحت سقف بيت واحد حتى لا نمل الخصام فنضحك،أو يملنا الخصام فيذهب هازًا رأسه. ما قولك في هذا الرأي؟

لكن استمر الحب بينهما حتى وفاة جبران عام 1931، يقال أيضاً أن الكاتب والأديب الكبير “عباس محمود العقاد” أحب “مى” حبًا جمًا وكان يغار عليها من “جبران خليل جبران”، لكن “مى” كانت تكن له حبًا من نوع اَخر وهو حب الأستاذ.

رغم ما يتردد كثيرًا  عن حياة “مى” العاطفية  والحديث عن محبيين كثر وتداخلات فى العلاقات إلا أن ذلك الجانب  يظل من الجوانب الغامضة فى حياتها.

أبرز ما فاضت به قريحتها:

نشرت ميّ مقالاتًا وأبحاثًا في العديد من الصحف والمجلات المصرية الشهيرة  مثل: المقطم،  الأهرام،  الزهور،  المحروسة،  الهلال، المقتطف

و كتبت العديد من الكتب مثل:
باحثة البادية ، غاية الحياة ،سوانح فتاة، كلمات وإشارات، المساواة، ظلمات ، الرسائل.

May_Ziade

الموت يسرق الحب والأحباء ..

عاشت “مى” من عام 1929 حتى عام 1932 فترة هى الأقسى فى عمرها حيث توفى والدها “الياس زيادة” عام 1929 ، ثم توفى “جبران” فى عام 1931 وأخيراً والدتها عام 1932

لم تتحمل “مى” كل هذا الفقدان فاعتزلت الحياة الأدبية وانزوت وحيدة، مما دعا بعض المقربين منها لإرسالها إلى لبنان حتى تكون بالقرب من أقاربها ظنًا منهم أنهم قد يخففوا عنها شعورها بالوحدة، ولكن للأسف أقاربها هم من استغلوا حالتها السيئة وأودعوها مستشفي للأمراض النفسية في لبنان لمدة تسعة أشهر، طمعاً فى “المطبعة” التى تركها لها والدها إرثًا.

وتمكنوا من الحجر على أملاكها بحجة فقدانها لقواها العقلية ، فى هذه الأزمة كان أكثر من وقف إلى جوارها هم الأدباء والكتاب الذى تمكنوا من إخراجها من تلك المستشفى ونقلها لمستشفى خاص ومن ثم الإقامة لبعض الحين لدى المفكر اللبنانى أمين الريحانى ، بعد ذلك بفترة عادت إلى مصر لكنها لم تستقر فى مصر عاشت بين مصر وإيطاليا حتى وفاتها المنية فى مصر داخل مستشفى المعادى عام 1941 عن عمر يناهز 55 عامًا.

حتى قبرها تحدث باسمها فكتب عليه  “هذا قبر فتاة لم ير الناس منها غير اللطف والبسمات، وفي قلبها الآلام والغصّات قد عاشت وأحبت وتعذبت وجاهدت ثم قضت”

كُتِبت هذه الجملة بناءً على طلبها هى شخصياً ليبقى قبرها يتحدث عنها حتى بعد الرحيل.

قالت السيدة هدى شعراوي في حفل تأبين ميّ: “كانت مي المثل الأعلى للفتاة الشرقية المثقفة ” .

وقال فيها شيخ فلاسفة العرب في العصر الحديث مصطفى عبد الرازق: “أديبة جيل، كتبت في الجرائد والمجلات، وألفت الكتب والرسائل، وألقت الخطب والمحاضرات، وجاش صدرها بالشعر أحيانًا، وكانت نصيرة ممتازة للأدب تعقد للأدباء في دارها مجلسا أسبوعيًا، لا لغو فيه ولا تأثيم ولكن حديث مفيد وسمر حلو وحوار تتبادل فيه الآراء في غير جدل ولا مراء.”